أكثر من ثلث السورة، وتضمن صور المرحلة الأولى من مراحل الاحتكاك بين النبي صلّى الله عليه وسلّم واليهود في العهد المدني التي كانت قاصرة على الجدل والنقاش والمناظرة والتنديد والإنذار والتي يبدو من خلالها مع ذلك ما بذله اليهود من قوة النشاط المعادي للدعوة الإسلامية في مختلف المجالات وما قصده القرآن من فضح هذا النشاط وإحباطه وهدم المركز القوي الثقافي والديني والسياسي والمالي الذي كان يتمتع به اليهود في الأوساط العربية. ولقد احتوت السور النازلة بعد هذه السورة صورا مماثلة لصور هذه المرحلة ثم صورا للعداء الخطير الذي انتهى إلى الاشتباكات الحربية حتى أظهر الله نبيه والمؤمنين عليهم وساعدهم على تطهير المدينة منهم. وخضد شوكتهم في القرى الأخرى في نهاية السنة السادسة من العهد المدني على ما سوف نشرحه في المناسبات الآتية.
والآية فصل جامع رائع من جوامع القرآن وروائعه. وقد احتوت تقرير أهداف الدعوة الإسلامية الإيمانية والاجتماعية والأخلاقية بأسلوب قوي نافذ.
ولقد ذكرت هذه الأهداف بأساليب متنوعة في القرآن المكي مما يؤكد الاتساق التام بين القرآن المكي والقرآن المدني. ولقد علقنا عليها في المناسبات العديدة التي ذكرت فيها بما يغني عن التكرار. غير أن في الآية خصوصية جليلة جديرة بالتنويه والتنبيه وهي تقريرها كون أهداف الدعوة الحقيقية والجوهرية ليست الأعراض والأشكال والمظاهر وإنما هي الصدق في الإيمان والعمل والقيام بالواجب نحو الله ومساعدة المحتاجين على اختلافهم من أقارب وأباعد والوفاء بالعهد والصبر عند المحن والثبات في الجهاد والتضحية بالمال والنفس. وفي هذا ما فيه من قوة حيوية الدعوة وعظمتها ومرشحاتها للعمومية والخلود. وينوه بنوع خاص بخاتمة الآية التي تقرر أن المتصفين بما فيها من صفات هم الصادقون المتقون، ولقد شرحنا سابقا مدى التقوى والصدق وما في الآية من صفات مما يماثل ذلك حقا وصدقا.
ولقد أورد ابن كثير بعض الأحاديث في سياق هذه الآية فيها توضيح لبعض عباراتها وتساوق مع تلقيناتها. منها حديث رواه الحاكم في مستدركه عن ابن