إليه وآمنوا بما جاءهم منه من دون عناد ولا بغي إلى الحق الذي اختلف فيه أولئك المنحرفون الباغون. وذلك نعمة ورحمة من الله الذي يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم.
ولم نطلع على رواية في سبب نزول الآية ويتبادر لنا أنها متصلة بالآيات السابقة واستمرار لها وتعقيب عليها. وأنها في صدد التذكير بما كان من أمر اختلاف الأمم غير الأمة الإسلامية فيما جاءها من كتب الله والتنويه بما كان من هداية الله للذين آمنوا بالرسالة المحمدية إلى الحق الذي اختلفوا فيه، وتحذير لهؤلاء في الوقت نفسه من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السابقة المختلفة في مناسبة ذكر ما كان من تردي بعضهم وانحرافه وعدم إسلامه وإخلاصه التامين مما انطوت حكايته أو الإشارة إليه في الآيات السابقة بأسلوب التنديد والإنذار.
ومع أن أسلوب الآية تقريري عام لبيان طبيعة البشر وما كان من اختلافهم على الحق ونزاعهم فيه منذ الأزمنة القديمة اندفاعا وراء المآرب والأهواء فالمتبادر أنها في صدد ما وقع فيه اليهود والنصارى بخاصة من نزاع وشقاق وتأويلات خرجوا بها عن دائرة الحقّ والهدى وكتب الله وما احتوته الرسالة المحمدية والقرآن من البيان الواضح للحقّ والهدى الذي يمكن به تمييز الحقّ من الباطل والهدى من الضلال وإرجاع كل شيء إلى نصابه الحقّ، والتنويه بالمؤمنين الذين آمنوا بهما واتبعوا الحقّ والهدى اللذين انطويا فيهما فصاروا بذلك أمة وسطا عدولا.
والآية قوية رصينة، فيها تقرير قوي لوحدة الحقّ وعدم تحمله للخلاف والنزاع حينما تحسن النيات وتتحقق الرغبات الصالحة. وحملة على الذين يختلفون فيه- وبخاصة ممن يكونون قد أوتوا علما ومعرفة- اندفاعا وراء الأهواء والمآرب واستكبارا عن الاستجابة إلى الحق واتباعه. وفيها كذلك تنويه بحسني النية صالحي السريرة الذين يرون الحق فيتبعونه ويتمسكون به، وفي هذا ما فيه من التلقين الجليل المستمر المدى. وفيها كذلك إيذان رباني ذو مغزى خطير في صدد