ولقد تضمنت الآيات تلقينات جليلة مستمرة المدى بالإضافة إلى ما تضمنته من تطمين المؤمنين الأولين وهم في أول عهد هجرتهم.
فعلى المسلمين أن يوطدوا النفس دائما على أنهم سيتعرضون لمصاعب ومشاق وخسائر في المال والنفس وحرمان وخوف وجوع في سبيل الله التي هي الدعوة الإسلامية التي حملهم الله مهمتها وأعطاهم رايتها الشاملة للدعوة إلى الله وحده ومكارم الأخلاق وتأييد الحق ومحاربة الباطل ودفع البغي والظلم والعدوان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن والبر والرأفة والتضامن والمساواة والحرية والإخاء، وأن يتحملوا ما يصيبهم من ذلك راضين مطمئنين متجملين بالصبر لأن الله مع الصابرين وناصرهم، وأن يستعينوا على ذلك أيضا بعبادة الله وذكره ومراقبته وإسلامهم النفس إليه في كل أحوالهم لأن هذا يمدهم بقوة روحية تساعدهم على التحمل وطمأنينة النفس وتجعلهم موضع رضاء الله ورحمته وبركاته وصلواته وهداه. ولا يصح لهم أن يظنوا أن من يقتل في ذلك السبيل ميت بل هو حي وإن لم يدركوا مدى هذه الحياة.
أما هذه الحياة فالأولى فيما نعتقد أن يوقف منها عند ما وقف عند القرآن دون تزيد وتوسع. ولا سيما أن الآية تقرر أن الناس لا يمكنهم إدراكها. ومع ذلك ففي التعبير القرآني تلقين جليل أيضا، فلا يصح أن يسمى الشهيد في سبيل الله ميتا، لأن الميت هو الذي تنقطع صلته بالحياة حينما يموت ميتة عادية بعكس الذي يموت شهيدا في سبيل الله حيث يكون دائم الاستمتاع برضاء الله وتكريمه في العالم المغيب بالإضافة إلى ما يكون له من حسن الذكر الدائم عند الأحياء وفي هذا ما فيه من بواعث القوة والجرأة على النضال في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق ومحاربة الظلم والبغي.
وننبه على أن هناك أحاديث نبوية عديدة في ما أعده الله لمن يقتل في سبيله من تكريم ورزق وعناية. منها ما ورد في الصحاح ومنها ما لم يرد. وأورد بعض المفسرين بعضها في سياق هذه الآيات وأورد بعضهم بعضها في سياق الآيات [١٦٨- ١٧١] من سورة آل عمران، وقد رأينا تأجيل إيرادها والتعليق عليها إلى