ومع أن أسلوب السؤال هو تقريعي أكثر منه تقريريا لطلب واقع نزول الله والملائكة فإن طلبا مثل هذا قد وقع على سبيل التعجيز من كفار قريش على ما حكته آية سورة الفرقان هذه: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) كما أن طلب استنزال الملائكة ليؤيدوا النبي قد تكرر من أولئك الكفار على ما حكته آيات كثيرة مرت في سور عديدة «١» . ولعل استشهاد بني إسرائيل في هذا الموقف متصل بقصد التذكير بحادث جرى لآبائهم وحكته آية البقرة [٥٥] حيث قال لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة. ولعل هذا الاستشهاد ينطوي كذلك على التذكير بما كان من بني إسرائيل من تحريف وتبديل لآيات الله وتنكيل الله بهم على ذلك مما حكته آيات عديدة في سورة البقرة وغيرها. وليس من المستبعد أن يكون لليهود يد في موقف التردد وعدم التصديق بجميع ما بلغه النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي بدا من بعض المؤمنين أو المتظاهرين بالإيمان أو عدم الإخلاص التام لله. ويد كذلك في وسوسة طلب المعجزات من النبي صلّى الله عليه وسلّم من مثل نزول الله والملائكة في الغمام بقصد التشكيك والتعطيل فاقتضت حكمة التنزيل طلب الاستشهاد بهم بأسلوب ينطوي فيه التذكير بما وقع لآبائهم من قبل وربما الإنذار لهم أيضا.
ومع ما يمكن أن يكون للآيتين من خصوصية زمنية وموضوعية فإن فيهما تلقينا مستمر المدى بتقبيح مواقف المكابرة والتمحل والتعجيز والانحراف عن جادة الحق الواضحة التي بينتها وهدت إليها آيات الله.
ولقد روى الطبري عن بعض أهل التأويل أن الآيات في صدد يوم القيامة ومشاهدها وليست الروايات وثيقة. وفحوى الآيات وصلتها بأسبقها أسلوبا وموضوعا يحمل على التوقف فيها ويجعل ما شرحناه هو الأكثر وجاهة وورودا والله أعلم.
(١) انظر مثلا آيات سور الأنعام [٨] والحجر [٧] وهود [١٧] والفرقان [٧] والإسراء [٩٢] .