وقعت بعد نزول الآيات حيث استجاب إلى ما فيها من حثّ وتشويق.
ولقد روى الطبري وغيره روايات متنوعة عن القصة المذكورة في الآية الأولى مختلفة الصيغ متفقة المدى. منها رواية عن ابن عباس أنها في صدد أربعة آلاف أو ثلاثين ألفا فروا من قريتهم من الوباء أو من الجهاد خوفا من الموت فأماتهم الله، فمر عليهم نبيّ فدعا الله أن يحييهم فأحياهم ليثبت لهم أن موتهم وحياتهم في يد الله وأمره. ومنها رواية عن أشعث بن أسلم البصري في سياق طويل لا يخلو من إغراب مفادها أن يهوديين أخبرا عمر بن الخطاب أن هذه قصة جماعة من بني إسرائيل خرجوا من مدينتهم ألوفا حذر الموت من الوباء فأماتهم الله حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل النبي لينادي عليهم ففعل فأحياهم الله تعالى.
ولقد ورد في الإصحاح ٣٧ من سفر نبوءة حزقيل أحد أسفار العهد القديم المتداولة اليوم خبر فيه بعض المشابهة لهذه القصة. حيث يبدو أن مما كان يتداوله اليهود في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قصصهم القديمة. والراجح أن سامعي القرآن من المسلمين أو بعضهم كان يعرفها من اليهود فاقتضت حكمة التنزيل تذكيرهم بها على سبيل تخفيف استشعارهم بالخوف من الموت وحضهم على القتال والإنفاق في سبيل الله مما ورد في الآيات في ظرف كان بعضهم يتهيب من ذلك أو يتلكأ فيه. ولقد احتوت الآيات [٢١٨، ٢٦٢، ٢٧٢] من سورة البقرة التي سبق تفسيرها إشارة ما إلى ذلك. والمتبادر أن بعضهم ظل مع ذلك يتهيب ويتكرر فاقتضت الحكمة معالجة الأمر مجددا في الآيات، ولقد جاء بعد هذه الآيات فصل فيه قصة طلب بني إسرائيل تعيين ملك عليهم ليقاتلوا تحت لوائه أعداءهم ونكث أكثرهم عن ما قطعوه على أنفسهم من عهد القتال مما نرجح أنه سيق استطرادا لتدعيم أمر القتال والإنفاق الذي احتوته الآيات الثانية والثالثة كما هو شأن الآية الأولى. وبعبارة أخرى إنه جاء تدعيما للمعالجة التي اقتضتها حكمة الله.