في صدد المواقف أم في صدد التبشير والإنذار والتمثيل والتشريع والهداية والضلال والكفر والإيمان والإحسان والإساءة حيث يكون الخطاب شديدا موئسا حينا ولينا مؤملا حينا، وجانحا حينا إلى تقرير كون الهداية والضلال والكفر والإيمان والإحسان والإساءة من مكتسبات المرء بما أودعه الله فيه من المواهب والقوى الاكتسابية والتمييزية وتقرير عودة التبعة فيها عليه حسنة أو سيئة من أجل ذلك، وجانحا حينا إلى تقرير كون ذلك من تقديرات الله الحتمية التي لا ينفع فيها إنذار ولا تبشير مما هو منبث في مختلف السور والفصول القرآنية، وفيه تقريرات شديدة ومؤئسة بالنسبة للكفار والمنافقين كما جاء في آيات يس:[٨- ١٠] والبقرة: [٦- ٧] بالنسبة للأولين، والبقرة:[٨- ١٨] والنساء: [١٣٧- ١٤٣] والمنافقون: [٢- ٦] بالنسبة للآخرين فيها جزم بمصيرهم الرهيب المحتوم من عدم الإيمان واستحقاق الخلود في النار مع أن كثيرا منهم بل أكثرهم قد آمنوا وحسن إيمانهم وتبدل مصيرهم إلى الثواب والنعيم واستحقوا التنويه والثناء، ونزل في صدد ذلك آيات قرآنية أخرى كما جاء في آيات الأنفال:[٢٥] والنحل: [١١٠] والفرقان:
[٧٠- ٧١] إلخ وقد كانت هذه الأمور وما تزال مثار جدل وحيرة حول ما إذا كان يصح على الله المحيط بما كان ويكون والأزلي العلم والإرادة البداء أي الرجوع عن ما أنزله وقرره وأمر به وأراده ونسخه وتعديله وتبديله وتنويع مفهوم الاحتمالات والنصوص فيه، في حين أن ملاحظة صلة الوحي القرآني الوثيقة بالسيرة النبوية وأحداثها على تنوع صفحاتها وظروفها تجعل الناظر في القرآن يندمج في الوقائع والمقتضيات. وتجعله يعتقد أن الفصول القرآنية، إنما كانت تنزل حسب حوادث السيرة وظروف الدعوة، وأنه لما كانت هذه الحوادث والظروف عرضة للتطور والتبدل والتنوع فإنها تجعله يرى الحكمة واضحة في التبديل والتعديل والنسخ والتنويع والشدة واللين في الخطاب، وتجعله يرى أن الجدل في ذلك النطاق لا محل له ولا طائل من ورائه، لأن التطور والتنوع في الأحداث والظروف والأذهان متسقان مع طبائع الأمور ونواميسها التي فطر الله الكون عليها فلا بدع أن تقتضي حكمته أن يكون ذلك في التنزيل القرآني اتساقا مع هذه الطبائع والنواميس.