والمعنى وإن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به. (٢) إن جبريل إنما نزل به بالمعاني خاصة وإن النبي علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب، واستند قائلو هذا القول بظاهر قوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: ١٩٣- ١٩٤] . (٣) إن القرآن ألقي إلى جبريل بالمعنى وإنه عبر عن المعاني بالألفاظ العربية وبها نزل على النبي، وإن أهل السماء يقرأونه بالعربية. (٤) إن الوحي نزل باللفظ حينا وبالمعنى حينا فما نزل باللفظ فهو القرآن وما نزل بالمعنى فهو السنّة، أي أن الأحاديث النبوية هي أيضا وحي رباني ولكنها نزلت بالمعنى، وعلّل أصحاب هذا القول إنه كان يقصد التخفيف عن الأمة، ولذلك جازت رواية الأحاديث النبوية بالمعنى.
ويلاحظ أن هذه الأقوال تخمينية، ولم يورد قائلوها أسنادا موثقة لها في حين أن الموضوع متصل بسرّ وحي الله وسرّ النبوة كذلك، فهو أمر غيبي إيماني لا يصح قول شيء فيه إلا بنصّ صريح من قرآن أو حديث ثابت عن النبي، وما دام أنه لم يرد شيء من ذلك، وإن النبي قد بلغ القرآن الموحى به إليه بألفاظه العربية التي دوّنت وحفظت عنه بالتواتر اليقيني فليس من محل للقول إن القرآن أوحي إليه بالمعنى كما أنه ليس من ورائه طائل، وإن الحق في هذا هو ما يتسق مع الواقع وحسب وهو أن ما بلغه النبي من ألفاظ القرآن هو ما نزل الوحي به على قلبه، وأنه لا يصح أن يعدل عن هذا إلى غيره بالظنّ والتخمين.
على أن النصوص القرآنية هي في جانب ما نقول أيضا أكثر منها في الجانب الآخر أو في جانب السكوت. فآيات يوسف [٢] والزخرف [٣] والزمر [٢٨] وفصلت [٣ و ٤٤] التي تذكر تنزيل القرآن عربيا وجعله عربيا- وقد نقلناها في مناسبات سابقة- تحتوي قرائن بل دلائل قوية على قصد تقرير كون الألفاظ العربية التي بلغها النبي هي ما نزل الوحي به على قلبه.
ومن الغريب أن القائلين بنزول القرآن بالمعنى استندوا إلى آيتي الشعراء:
[١٩٣- ١٩٤] اللتين نقلناهما وغفلوا عن ما بعدها بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) ، كما