للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي العادة من أخذ آية دون آية ودون سياق للتدليل بهما على رأي ما، في حين أن بعدهما أي الآية [١٩٥] يحتوي ما ينقض ذلك بصراحة، ومن الغريب أكثر أن لا يحتج القائلون بنزول القرآن بألفاظه بهذا النصّ القرآني الصريح القاطع.

ومما يجدر التنبيه عليه في هذه المناسبة أن القول بأن الأحاديث النبوية مما كان ينزل به الوحي بالمعنى على إطلاقه لا يتسق مع الواقع والنصوص القرآنية.

فقد احتوت آيات عديدة عتابا للنبي على بعض الحوادث والوقائع والمواقف والأقوال التي صدرت منه بل وعلى بعض الأفكار والخطرات التي دارت في ذهنه في العهد المكي والعهد المدني على السواء مما تشير إليه آيات سورة عبس: [١- ١٠] والإسراء: [٧٣- ٧٥] وهود: [١٢] والأنفال: [٦٧- ٦٨] والتوبة: [٤٣ و ١١٣- ١١٧] والأحزاب: [٣٧] والتحريم: [١- ٢] والنساء: [١٠٥- ١١٢] .

فلو كان كل ما قاله النبي وفعله وفكر فيه وحيا على إطلاق القول لما كان محل لمعاتبته. ولقد أثر عن النبي حوادث وأخبار وأحاديث كثيرة ووثيقة في تقرير كونه بشرا قد يخطىء ويصيب في اجتهاداته في أمور الدنيا وسياستها وفي ما يبدو له من ظواهر الأمور التي لا يكون مطلعا على بواطنها وملابساتها، وإنه لا يحلف على شيء فيرى ما هو خير إلا كفّر عن يمينه وأتى الذي هو خير إلخ.

ولقد استند القائلون بالوحي العام الشامل إلى آيتي سورة النجم وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) ، مع أن روح الآيات وسياقها هما في صدد توكيد صحة ما أخبر به النبي عن اتصال وحي الله به بصورة عامة كما هو المتبادر منها، وهو ما تكررت في صدده الآيات واستهدفته، وإن من التجوز تشميل مداها لكل قول صدر عن النبي لتعارض ذلك مع الوقائع والنصوص.

ونريد أن ننبه على نقطة هامة، فنحن لا نعني بما نقرره أن لا يكون النبي في كثير مما قاله وفعله وأمر به ونهى عنه وخاصة مما لم ينزل فيه قرآن ناقض أو معدل أو معاتب ملهما به من الله، ففي القرآن دلائل عديدة على أن كثيرا مما وقع من النبي قبل نزول قرآن به قد وقع بإلهام رباني، وإن القرآن الذي نزل بذلك جاء مؤيدا

<<  <  ج: ص:  >  >>