وواضح من الآيات أن المقصود القرآني من الكلمة هو الكتاب المنزل من الله على موسى المحتوي للمبادئ والتعليمات والتشريعات والحدود الربانية. واستعمال اللفظ مفردا يسوغ القول إنه كتاب واحد وإن كان لا يمنع هذا من أن يكون ذا فصول عديدة. هذا في حين أن المتداول بين الأيدي اليوم والذي يسمى (التوراة) ويسمى أيضا باسم (العهد القديم) هو مجموعة ضخمة من أسفار عديدة منفصل بعضها عن بعض بأسماء متنوعة وعددها عند فريق من الكتابيين (الطبعة البروتستانتية) تسعة وثلاثون وعند فريق آخر (الطبعة الكاثوليكية) ستة وأربعون. وهي عائدة إلى حقب عديدة بدءا من تاريخ خلق الكون وآدم وحواء ونوح وطوفانه وأولاده وأفسالهم إلى إبراهيم وذريته إلى موسى وبعده إلى أوائل عصر عيسى عليهم السلام. وأولها (سفر التكوين) هو الذي يحتوي خبر خلق الكون وآدم ونوح وإبراهيم وأولادهم. وليس فيه دلالة على أنه من وحي الله وإن كان فيه حكاية كلام منسوب إلى الله وحكاية لما كان من اتصالات بين الله والأنبياء المذكورين فيه. وليس فيه دلالة على أنه من تبليغ موسى أو إملائه أو تبليغ وإملاء شخص آخر. وفيه ما قد يفيد أنه كتب بعد موسى وبأسلوب الحكاية وبأقلام عديدة لما فيه من تناقض وأشياء منسوبة إلى الله وأنبيائه يتنزهون عنها ومن أحداث حدثت في زمن موسى وبعده حينما طرأ بنو إسرائيل بقيادة موسى وخلفائه على سيناء وشرق الأردن وغربه في نحو القرن الثالث عشر قبل الميلاد وبعده. وفيه ما قد يكون أساطير قديمة كانت متداولة. وفيه مبالغات ومفارقات كثيرة. وكل ذلك يسوغ القول إن هذا السفر كتب بعد ذلك وتأثر به وإن ما فيه مما يعود إلى قبل موسى هو ذكريات كانت متداولة فيها الغثّ والسمين والخيال والحقيقة. ولا يبعد أن تكون واردة في مخطوطات قديمة كلها أو بعضها.