بابل إلى زمن الحكم اليوناني قبل الميلاد المسيحي. وقلنا إن السمة التاريخية غالبة عليها لأنها لا تخلو بدورها من سمة دينية وعظيّة وإنذارية. ومن نشاط أنبياء وتبليغاتهم عن الله إلخ إلخ. وتمتزج الحقائق فيها بالخيال والمبالغات والمفارقات. وفيها دلالات كثيرة على أنها كتبت بعد مدة من الأحداث والوقائع المذكورة فيها وأنها تأثرت بها. وأنها كتبت بأقلام متعددة في أزمنة مختلفة. ولقد جاءت حكاية الأحداث في بعضها مباينة لما جاء في بعض آخر أو مناقضة له أو زائدة عليه أو ناقصة فيه مما يدلّ على ذلك. بل وفي بعضها ما ذكر في أسفار التكوين والخروج والعدد مع نقص وزيادة ومباينة. ولقد جاء في الإصحاح الثالث من أخبار الأيام الأول مثلا سلسلة ملوك يهوذا إلى آخر صدقيا الذي قتله نبوخذنصر. وفي الإصحاح التاسع منه هذه الجملة بما فعله نبوخذنصر:(وسبى يهوذا إلى بابل لأجل خيانتهم) وفي الإصحاح السادس والثلاثين من سفر أخبار الأيام الثاني هذه الجملة: (وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس نبّه الربّ روح كورش فأطلق نداء في كل مملكته قائلا إن الربّ أعطاني جميع ممالك الأرض وأوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا) مما فيه دلالة على أن سفر أخبار الأيام الأول كتب في نهاية دولة يهوذا والثاني بعد السبي. ولقد ذكر سفر الملوك الثاني- الرابع في الكاثوليكية- سيرة ملوك دولتي إسرائيل ويهوذا إلى نهايتها بما في ذلك نسف نبوخذنصر لدولة يهوذا وسبي اليهود إلى بابل كما ذكر بعض أحداث جرت بعد السبي أو عقبه مما فيه دلالة قاطعة على أنه كتب بعد نهاية دولة يهوذا بل وبعد السبي. ولما كان هذا السفر هو استمرار لسيرة ملوك دولتي يهوذا وإسرائيل التي بدأ بها في السفر الأول فالكلام المذكور ينسحب على هذا السفر أيضا كما هو المتبادر. ولا تخلو الأسفار الأخرى من التي تؤرخ بعض أحداث ما قبل السبي من دلائل وقرائن مماثلة تسوغ القول إنها كتبت بعد السبي مثلها.
وإلى جانب هذه الأسفار أسفار عديدة أخرى تعود كذلك إلى حقبة ما بعد موسى إلى ما بعد السبي إلى عصر المسيح عليه السلام تغلب عليها السمة الدينية الجز الثاني من التفسير الحديث ٣١