سورة الرعد هذه: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [٣٦] ومن الممكن أن يكون من هؤلاء من اتصل به النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته أيضا. بل لقد روي أنه كان فعلا يمرّ على بعض الذين يقرأون الكتب الأولى ويسمع منهم «١» .
غير أن ذلك لا يجعل للقول الذي يمكن أن يقال أهمية إيجابية في معرض دعوى الكفار بل ومن شأنه أن يحبطه. فإن جلّ الذين استشهد بهم وشهدوا بصدق القرآن والرسالة والذين من المحتمل أن يكون الكفار قد عنوهم أو عنوا بعضهم كمعلمين للنبي صلى الله عليه وسلم بل كلهم قد انضووا إليه وآمنوا وصدقوا وخشعوا وفرحوا واستبشروا على ما ذكرته الآيات نفسها. وهذا يعني أن هؤلاء قد رأوا من صدق أعلام النبوّة ما جعلهم يؤمنون ويصدقون.
ولقد يقال أيضا إن الكفار دعموا ما قالوه بما رأوه من تشابه في المبادئ والأخبار بين القرآن والكتب الأولى فقالوا عنه إنه أساطير الأولين اكتتبها كما جاء في الآيات التي نحن في صددها وكرروا ذلك أكثر من مرة كما حكته عنهم آيات عديدة مرّ بعضها. وليس في هذا ما يمكن أن يكون نقضا لتكذيب القرآن لهم وردّه عليهم. حتى مع التسليم بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع أو استمع لمحتويات ما كان يتداوله اليهود والنصارى من الأسفار. ففصول القرآن ليست سردا لتاريخ وقصدا إلى تدوين وقائع وتكرارا آليا لشرائع ومبادئ. وإنما هي دعوة حية جياشة إلى الله والعمل الصالح، متحدة في جوهرها مع دعوة الأنبياء الأولين وصادرة مثلها عن واجب الوجوب ووحيه كما نبهت إليه آيات سورة النساء هذه إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً
(١) انظر تفسير آية النحل [١٠٣] في تفسير الخازن مثلا.