في الآية الأولى حكاية لتحدي الكفار النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإتيان باية من ربّه تدل على صدق صلته به، وردّ عليهم بصيغة الاستنكار عما إذا لم يكن ما احتواه القرآن من التطابق في الأسس والمبادئ مع ما احتوته الكتب المنزلة الأولى دليلا كافيا تقوم به الحجة والقناعة. وفي الرد ينطوي معنى التقرير الإيجابي كما هو المتبادر.
وفي الآية الثانية بيان رباني بأسباب تأجيل عذاب الكفار على ما كان من كفرهم وآثامهم، وهو ما يمكن أن يوجهوه إلى الله من احتجاج بأنه كان ينبغي أن يرسل إليهم رسولا يبلغهم آياته وحدوده حتى يتبعوها ويهتدوا بها ولا يتعرضوا للخزي والذل والنكال. وفي الآية ينطوي ردّ تقريعي لاذع فقد أرسل الله تعالى إليهم رسوله لئلا تبقى لهم عليه حجة. فإذا ما أصابهم الله بعذابه ونكاله إذا كفروا برسوله فيكونون قد استحقوهما. وروح الآية تلهم أن القرآن يقر الحجة التي يمكن أن يحتج بها الناس إذا تركوا دون إنذار ودعوة وإرشاد إلى الخير والحق فكفروا وأثموا وتنكبوا طريق الحق وقصروا في واجباتهم، كما أنها تتضمن توكيد المبدأ القرآني الذي تكرر تقريره وهو قابلية الناس للاختيار واستحقاقهم لمصائرهم وفقا لاختيارهم، وتوكيد الحكمة الربانية التي اقتضت إرسال الرسل للدعوة إلى الله وبيان طرق الخير والشر، حتى يسعد وينجو من يسعد وينجو عن بينة ويهلك ويشقى من يهلك ويشقى عن بينة. وفي آية سورة النساء هذه رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) تدعيم لما استلهمناه من روح الآية. ومثل ذلك منطو بصراحة أيضا في آية سورة الإسراء هذه مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) .
أما الآية الثالثة ففيها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بإعلان الكفار أن ينتظروا وإنه منتظر معهم. والكل متربص ومترقب، ولن يلبث الناس أن يعلموا علم اليقين من هم الذين هم على طريق الحق ومن هم المهتدون. وقد انطوى في الآية وعيد رباني