للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحجاز أو الوافدون على النبي عليه السلام من البلاد المجاورة من عرب ومستعربين أيضا. ففي القرآن آيات كثيرة تشير إلى أنّ النبي كان يتلو آيات القرآن على مختلف طبقات الناس كما جاء في آيات الكهف [٢٧] والنمل [٩٢] والعنكبوت [٤٥] والأحقاف [٢٨- ٣٠] والجن [١] مما هو متسق مع مهمته، وإن منهم من كان يقول إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر: ٢٥] وإِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنعام: ٢٥] وقَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال: ٣١] ولقد تكرر في القرآن المكي والمدني الإشارة إلى أهل الكتاب وأهل العلم وفي بعض الآيات ما يفهم أن من هؤلاء من جاء خصيصا ليجتمع بالنبي ويستمع للقرآن وقد كان منهم من تفيض عيونهم من الدمع ويخرون خشعا سجدا من تأثير ما يسمعون منه ويعلنون إيمانهم وتصديقهم به «١» مما يلهم أنهم كانوا يسمعون كلاما يفهمونه مع أنهم جاؤوا من نجران اليمن أو بلاد الشام أو الحبشة حسب ما أوضحته الروايات، كما أن اليهود الإسرائيليين والنصارى غير الحجازيين والذين يمتون أو يمتّ أكثرهم إلى أصول غير عربية والذين كانوا متوطنين في مكة والمدينة كانوا ممن وجهت إليهم الدعوة وكان القرآن يتلى عليهم ويفهمونه وقد اندمجوا في ظروف السيرة النبوية إيجابيا وسلبيا. وإذا كان يبدو اليوم فيه شيء من ذلك أو إذا كان بدا فيه شيء من ذلك منذ قرون عديدة سابقة أو إذا كان يبدو فيه اليوم وقبل اليوم كذلك مفردات غريبة على الأسماع والمألوف فإن هذا كله إنما نجم عن بعد الناس عن جوّ نزول القرآن وزمنه وجو لغته وجو البيئة التي نزل فيها من جهة، وعن ما طرأ على اللسان العربي من الفساد من جهة، وعن ما كان من اندماج كثير من غير العرب في العروبة ولغتها وتعلّمها تعلّما لا يمكن أن يقوم مقام السليقة الأصلية في بنيها الأصليين من جهة.

ولقد احتوى نصوصا كثيرة تقرر المرة بعد المرة ما هو عليه من وضوح وإبانة وإحكام وتفصيل ويسر فهم وسهولة إدراك في معرض التنديد بالمكابرين


(١) اقرأ آيات المائدة: [٨١- ٨٤] ، والإسراء: [١٠٧- ١٠٩] ، والقصص: [٥٢- ٥٥] مثلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>