قصّ محمد شيئا وبيّنه حتّى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون حتّى تطلع الشّمس فيكذّبوه إذ قال قائل منهم والله هذه الشّمس قد طلعت فقال آخر هذه الله الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق. وفيها فلان وفلان كما قال» . ويصح أن نذكر في هذا السياق والحديث المروي عن أم هانئ عمّة النبي الذي ذكرناه في سياق سورة النجم وجاء فيه «أنّه كان في بيتها فافتقدته في فراشه فلم تجده، ثمّ وجدته في الصّباح فلمّا استيقظ أخبر بخبر إسرائه إلى المسجد الأقصى» .
ومن الجدير بالتنبيه هنا أيضا أن الأحاديث التي وردت في كتب الصحاح عن الإسراء والمعراج لا تقرن الإسراء بالمعراج. وهذا له مغزى مهم في صدد ما نحن بسبيله. ومن هذه الأحاديث التي أوردنا نصوصها آنفا عن أبي هريرة وجابر ما اقتصر على ذكر الإسراء إلى بيت المقدس فقط.
ومع ذلك فإن الحديثين اللذين يرويهما البخاري عن مالك بن صعصعة وشريك بن عبد الله واللذين أشرنا إليهما في التعليق المسهب في سورة النجم واللذين يذكران أن الحادث كان في أثناء النوم أو بين اليقظة والنوم مع شقّ بطن النبي وغسله وحشوه والحديث المروي عن عائشة بأن النبي لم يفارق فراشه ليلة الإسراء والحديث المروي عن معاوية بأن الإسراء والمعراج كان في المنام كل هذا يجعل احتمال الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أيضا مشهدا روحانيا واردا كذلك. ولا سيما إن هناك حديثا يرويه الطبري بطرقه عن أبي هريرة يذكر فيه فيما يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى أثناء مسراه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو راكب على البراق ومع جبريل جماعات من الناس في أشكال وحالات متنوعة في العذاب بسبب آثام وذنوب اقترفوها وأنه رأى فيما رأى أثناء هذا المسرى أيضا الجنة والنار وسمع كلاما لكل منهما. وفي هذه السورة آية أشير فيها إلى حادث الإسراء على قول أكثر أهل التأويل بكلمة (الرؤيا) وهي هذه وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [٦٠] ومع أن أهل التأويل قالوا إن كلمة الرؤيا تطلق على الرؤيا العيانية أيضا. إلا أنها في القرآن لم ترد إلا في معنى الرؤيا