النواحي كنتائج لها مثل الحياة الأخروية ومشاهدها وأهوالها ونعيمها وعذابها والملائكة والجن ومعجزات الأنبياء مما يدخل في الغيبيات الإيمانية من جهة، ومع أنها قد شغلت حيزا كبيرا أو بالأحرى الحيز الأكبر من القرآن فإن من فائدة هذه الملاحظة أن تجعل الناظر في القرآن يقف عند الأهداف والمبادئ ويعتني العناية الكبرى بتجليتها وإبرازها، ولا يحمل الوسائل والتدعيمات ما لا ضرورة لتحميلها إياه ولا يترك لها المجال لتغطي على تلك، وتكون له شغلا شاغلا مستقلا بحيث يستغرق فيها مثل استغراقه في الأسس فضلا عن استغراقه فيها أكثر من استغراقه في هذه مما هو واقع ومشاهد كالانشغال مثلا في ماهية القصص القرآنية والنواميس الكونية، أو ماهية الملائكة والجن أو ماهية مشاهد الحياة الأخروية، وبحيث يغفل عن هدفها الرامي إلى تدعيم الأسس والأهداف مما يؤدي به إلى إهمال التدبر بالجوهري والتورط فيما لا طائل من ورائه والوقوع في الحيرة والبلبلة دون ما ضرورة.
وننبه على أن هذا التقسيم بالمعنى الذي نقرره مستلهم بوجه عام من روح القرآن وأسلوبه وآياته، مما يستطيع أن يلمسه كل من أنعم النظر فيها، حيث يجد أنه لم ترد قصة أو مثل أو موعظة أو حملة تنديد وإنذار أو إشارة تنويه بملكوت الله وعظمته والدعوة إلى التفكير في آلائه أو ذكره للملائكة والجنّ أو تذكير بما كان من دعوة سابقة ومعجزات نبوية خارقة، أو تنبيه إلى الحياة الأخروية ومشاهدها ونتائجها المبهجة أو المزعجة إلا بعد تقرير تلك الأسس والأهداف أو شيء منها والدعوة إليها، أو بيان الحق والخير والصلاح والسعادة فيها، أو حكاية مواقف الكفار منها أو تثبيت النبي والمسلمين فيها وتصبيرهم عليها، وهذا من مميزات الأسلوب القرآني وخصوصياته بالنسبة لسائر الكتب المنزلة، وحيث يجد أن هذه الأسس والأهداف تظل محكمة ثابتة مع ما هو طبيعي من اختلاف مواقف النبي وتنوعها بالنسبة لفئات الناس والعقول والظروف في حين أن ما هو من باب الوسائل والتدعيمات يتنوع ويختلف أسلوبا ومدى وتعبيرا مع اختلاف تلك المواقف وتنوعها وهذا خاصة من شأنه أن يكون مقياسا وضابطا للتفريق بين