عبارة الآيات واضحة. ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزولها. ويتبادر لنا أنها غير منقطعة عن السياق، وأنها جاءت استطرادية على سبيل الإنذار والتذكير للكفار الذين حكت الآيات السابقة مواقفهم وأقوالهم بحيث تؤذنهم بأنهم إذا كانوا وقفوا من النبي صلى الله عليه وسلم موقفهم الباغي فقد وقف فرعون من موسى عليه السّلام نفس الموقف. وقد انطوى الاستطراد على تطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وتبشيرهم، فالله الذي أهلك فرعون ومكّن لبني إسرائيل أعداءه في الأرض من بعده قادر على إهلاك أعدائهم والتمكين لهم من بعدهم أيضا، والعرب السامعون كانوا يعرفون قصة رسالة موسى عليه السلام لفرعون ونتائجها على ما مرّ شرحه في مناسبات سابقة وبذلك تكون الحجة محكمة عليهم.
والأمر بسؤال بني إسرائيل الذي احتوته الآية الأولى أريد به توكيد الوقائع والنتائج على ما هو المتبادر، فبنو إسرائيل بين ظهراني العرب ومنهم أفراد في مكة، ومن الممكن أن يستشهدوهم عليها. وقد انطوى الكلام معنى الاطمئنان بالشهادة الإيجابية والتصديقية. وهذا الأسلوب قد تكرر في القرآن كثيرا لأن العرب كانوا يثقون بالكتابيين واليهود بخاصة ومعارفهم.
ويلحظ في الآيات عود على بدء السورة بذكر بني إسرائيل في آخرها كما ذكروا في أولها مما فيه صور من صور النظم القرآني. ولقد أورد الطبري في سياق الآيات حديثا رواه أيضا الترمذي بسند صحيح عن صفوان بن عسّال جاء فيه «إنّ يهوديين قال أحدهما لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبيّ نسأله فقال لا تقل نبيّ فإنّه إن سمعها كانت له أربعة أعين فأتيا النبيّ فسألاه عن قول الله عزّ وجلّ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الرّبا ولا تقذفوا محصنة ولا تفرّوا من الزحف وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تعدوا في السّبت» فقبّلا يديه ورجليه وقالا نشهد أنّك نبيّ.
قال فما يمنعكما أن تسلما قالا إنّ داود دعا الله ألّا يزال في ذرّيّته نبيّ. وإنّا نخاف