ولا يروي المفسرون كذلك رواية ما في صدد نزول الآيات والمتبادر أنها متصلة بما سبقها بقصد الرد على حكته الآيات السابقة من استغراب الكفار مع الشرح والبيان القويين المحكمين.
وظاهر أنه أريد بالآيات لفت نظر السامعين إلى ما ترتكز عليه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم- الرجل الذي جاء للناس بشيرا ونذيرا- من قوة وحق لا يتحمل إنكارا ولا استغراقا ولا نسبة سحر لأنها دعوة إلى الله الذي في كل ظاهرة من ظواهر الكون آية على ربوبيته وعظمته وقدرته وإبداعه ومطلق تصرفه واستحقاقه للعبادة والخضوع وحده إذا ما تفكر المرء فيها، كما أنه أريد بها تبشير المؤمنين وتثبيتهم وتكرار إنذار الكفار وإرهابهم.
ولقد احتوت بعض السور التي سبق تفسيرها ما احتوته هذه الآيات من خلق الله السموات والأرض في ستة أيام واستوائه بعد ذلك على العرش، ومن تعاقب الليل والنهار ومن تقدير دوران القمر في منازل وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار وهي هنا كما هي في المواضع السابقة بقصد لفت أنظار الناس وأسماعهم إلى ما يشاهدونه ويعرفونه من مظاهر قدرة الله تعالى.
على أن في الآية الأخيرة شيئا جديدا يحتمل تنبيها جديدا، وهو تقرير كون الله قد جعل القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب. فقد يقول قائل إنه ليس بالقمر وحده يعرف عدد السنين والحساب بل وإن معرفة ذلك بالشمس أدق وأضبط. فنقول إن هذه الآية وأمثالها لم ترد في القرآن لذاتها وبسبيل تقرير حقائق فلكية وكونية، وإنما وردت للفت النظر إلى مشاهد الكون ونواميسه ومظاهر قدرة الله وعظمته فيها لإيجاب الاتجاه إليه وعبادته وحده. كما نبهنا على ذلك في مناسبات سابقة. وقد خوطب بها لأول مرة أناس يعرفون حساب السنين بواسطة القمر فخوطبوا بما يشاهدونه ويعرفونه من أجل ذلك القصد. ولقد ظل هذا معروفا يقوم عليه عدد الحساب والسنين. والعبارة القرآنية لا تنفي إمكان معرفة هذا العدد والحساب من الشمس لأنها كما قلنا لم ترد لتقرير نظرية كونية أو فلكية، ومن