وفي بعض الآيات القرآنية دلالة ما على ذلك أيضا، مثل آية سورة القصص التي جاء فيها: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [٥٧] حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون في أنفسهم بصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والوحي القرآني ولكنهم كانوا يخافون على مركز مكة وما يدرّه عليهم من منافع ويضمنه لهم من أمن. ومثل آية الزخرف التي جاء فيها: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) حيث تلهم هذه الجملة أن قائليها كانوا يعتقدون بصحة الوحي القرآني ولكنهم أنفوا من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم واستكبروا لأن الله لم ينزل القرآن على زعيم كبير من مكة أو الطائف. بل إن مفاوضات رجال قريش للنبي صلى الله عليه وسلم التي أشارت إليها سورة الإسراء [٧٣] السابقة لهذه في التفسير وآية سورة القلم [٩] وما روي في صددهما على ما شرحناه في تفسير السورتين لتؤيد ذلك أيضا.
وفي الآيتين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن موقف تكذيب المكذبين وإنذار لهم. فعليه أن يتبرأ من عملهم ويعلنهم أنهم وحدهم الذين يتحملون تبعته إذا أصروا على تكذيبه وأن لا يحمل نفسه همّا. وربه أعلم بالمفسدين الذين إنما يقفون موقف التكذيب لفساد أخلاقهم ولإفساد غيرهم وهو القادر عليهم.
وقد يلمح في الآية الثانية بالإضافة إلى ما ذكرناه مبدأ حرية التدين الذي قررته سورة (الكافرون) وعلقنا عليه بما فيه الكفاية.
والمصحف الذي اعتمدنا عليه يروي أن الآية الأولى من الآيتين مدنية. وهذا غريب جدا فهي شديدة الانسجام مع الآية الثانية ومع السياق السابق معنى وسبكا، ومضمونها متصل بظروف ومشاهد العهد المكي ولم نر في ما اطلعنا عليه من كتب التفسير تأييدا لذلك وكل هذا يسوغ الشك في الرواية.
ولقد روى المفسرون عن بعض التابعين أن الآية الثانية منسوخة بآيات