الكفار وجحودهم، وقد تكررت هذه المعاني بمثل هذا الأسلوب وعلقنا عليها في مناسبات مماثلة بما فيه الكفاية وعلى كل حال فإن الأولى أن تفسر على ضوء الآية [٣٣] من هذه السورة التي جاء فيها: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) والتي شرحناها شرحا شافيا يغني عن التكرار وأمثالها التي فيها تقييد لما جاء مطلقا في الآيات.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وغيره من أهل التأويل في مدى الجملة الأولى من الآية الأولى، فمن ذلك أنها في صدد نبوة النبي وصفاته. ومن ذلك أنها في صدد ما أوحي إلى النبي من القرآن. ونحن نرجح القول الثاني لاتصاله بسياق الآيات. وتعددت الأقوال كذلك التي يرويها المفسرون في المخاطب في الآيتين الأولى والثانية حيث روي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه السامع مطلقا، أو أنه المسلم بخاصة. وقد خرج أصحاب القول الأول ذلك على اعتبار أنه على سبيل التثبيت والتطمين وبثّ اليقين، ونفوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شك أو سأل بل ورووا عن قتادة أنه قال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا أشك ولا أسأل» .
ومع أن القول الثاني وارد ووجيه فإننا نرجح القول الأول بقرينة العبارة مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ التي يبدو منها بكل قوة أنها موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع قولنا إن هذا الأسلوب من أساليب القرآن المألوفة ومنه آيات سورة القصص [٨٦- ٨٨] التي مر تفسيرها. ومع تصويبنا بكل قوة تخريج القائلين بالقول الأول ونفيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أي شك وسؤال. ومع قولنا أن من واجب المسلم الإيماني استبعاد احتمال انبثاق أي شك ومراء وتكذيب في نفس النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل إليه لأن ذلك مناقض للعصمة النبوية الواجب الإيمان بها. وللإيمان العميق النبوي بصدق نبوته وبما كان يوحى إليه والذي امتلأ به قلبه. وللإسلام التام الذي أسلم به نفسه لربّه وللاستغراق الشديد الذي استغرقه في مهمته العظمى وللكمال النفسي والخلقي الذي تحلى به وجعله أهلا لاصطفاء الله له للرسالة العظمى مما قررته آيات كثيرة بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها وعلقنا عليها في سور سبق تفسيرها.