نكبات وتسلل فيها من عناصر غريبة، محتفظة بمواهبها العظيمة وخصائصها القومية التي كان من مظاهرها أن اصطفى خاتم الأنبياء منها، وأن نزل آخر كتاب سماوي بها مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه، وأن حملت عبء الدعوة إلى الله ونشر رسالته المتممة لما سبقها والتي بقيت نقية صافية كما هي في منبعها الأول الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأن ترشحت بذلك لتكون خير أمة أخرجت للناس إن هي قامت بما حملها إياه القرآن من ذلك العبء ودعت إلى الخير وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر.
وتحميل القرآن الأمة العربية هذا العبء الذي غدت به وحده فقط ذات رسالة عالمية خالدة كما ورد في القرآن صراحة وضمنا ومن ذلك آيات سورة الزخرف [٤٣- ٤٤] وآية سورة الحج [٧٨] .
نقول هذا ونحن نعرف أن هناك بعض روايات تروى عن بعض آيات وكلمات وحروف مختلف عليها في القرآن. وأن بعض المستشرقين والمبشرين تقولوا بعض الأقوال في صدد ذلك، غير أن هذا وذاك لا يمس جوهرا، وليس من شأنه أن ينقض المعجزة الربانية العظمى. وهو من الضالة والقلة إلى درجة لا تكاد تكون شيئا بالنسبة للمجموع، كما أنه لا يثبت على النقد والتمحيص، وهناك مستشرقون منصفون زيفوا بقوة الأقوال الصادرة عن الهوى والغرض والحقد والتعصب «١» .
وكذلك نعرف أن غلاة الشيعة الباطنيين يزعمون أنه كان في القرآن آيات وفصول كثيرة في إمامة علي وأولاده وحقوقهم ومركزهم عند الله ورسوله ثم في حق كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين منعوهم من حقوقهم بزعمهم أسقطت حينما جمع أبو بكر وعمر ثم عثمان رضي الله عنهم القرآن وكتبوه في مصاحف جديدة، بل بلغ بهم الزعم إلى حد أن المصحف لم يحتو إلا نصف ما نزل وأن
(١) اقرأ الفصل المذكور آنفا من كتابنا القرآن المجيد، واقرأ كتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل طبعة ثانية ص ٢٥- ٣٩.