مدى التأويلين واحد وهو علم الله بكل ما كان ويكون فنكتفي بهذا التنبيه.
٣- روى المفسرون عن أهل التأويل في صدد جملة وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ أن العرب كانوا يعبرون عن النوم بالوفاة الصغرى والموت بالوفاة الكبرى وأن ذلك من قبيل المجاز لما بين النوم والموت من بعض التشارك. ورووا أن هذه الجملة مع جملة وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ أن هذا قد هدف إلى تقرير هيمنة الله تعالى على عباده هيمنة تامة في كل حالاتهم ثم إلى التدليل على قدرة الله تعالى على بعث الناس بعد موتهم وكون ذلك بالنسبة إليه كبعثهم بعد نومهم. وفي هذه التأويلات وجاهة متسقة مع الجملة في مقامها.
٤- روى المفسرون عن بعض أهل التأويل أن الضمير في جملة ثُمَّ رُدُّوا عائد إلى رسل الله كما رووا عن بعض آخر أنه عائد إلى الذين يتوفاهم رسل الله، وقد أخذنا في شرحنا السابق بالتأويل الثاني لأنه تبادر لنا أنه أكثر اتساقا مع بقية الآية التي جاءت فيها الجملة.
٥- وفي صدد ما جاء في الآية [٦١] عن الحفظة الذين يرسلهم الله على عباده ورسل الله الذين يتوفون عباده حينما تنتهي آجالهم نقول إن ذلك من الأمور المتصلة بالملائكة وخدماتهم لله تعالى ومن الأسرار الإلهية الغيبية التي يجب الإيمان بها لأنها ذكرت بصراحة وقطعية في القرآن وقد مرت أمثلة عديدة من ذلك في سور سبق تفسيرها، فلا طائل في التخمين والتزيد بسبيل استشفاف الماهيات على ما شرحناه في المناسبات السابقة وبخاصة في سورة المدثر. ويكفي استشفاف الحكمة من ذكر ما ورد في الآية ومطلعها يلهم أن القصد مما جاء فيها من ذلك هو تقرير كون الله تعالى هو المتصرف المطلق في عباده فيكون ذلك من تلك الحكمة.
وأسلوب الآيات في جملتها قوي رائع، وقد هدف فيما هدف إليه على ما يتبادر من روحها إلى تقرير إحاطة علم الله تعالى بكل شيء ومطلق تصرفه في كل شيء وإنذار الكفار بتحقيق ما يوعدون به وتوكيد قدرة الله تعالى عليه، وإثارة الرعب في قلوبهم وحملهم على الارعواء، والله تعالى أعلم.