من يهود المدينة كان يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بلجاجة وكان سمينا فقال له أنشدك بالله أنزل التوراة على موسى أما تجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين، فغضب وقال:
والله ما أنزل الله على بشر شيئا، ومنها أن هذا الحبر أو جماعة آخرين من يهود المدينة أنكروا أن يكون الله قد أنزل القرآن على رسوله فنزلت الآية تندد بهم لأنهم يعرفون أن الله أنزل كتابا على موسى فليس بدعا أن ينزل كتابا على رسول آخر.
ومنها أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله عليه كتابا أو ألواحا من السماء كما أنزل على موسى فقال لهم لقد كفرتم بما أنزل على موسى فغضبوا وأنكروا كل شيء.
ومنها أن مشركي مكة أرسلوا يسألون أحبار يهود المدينة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروا أن يكون نبيا وأن يكون القرآن منزلا عليه من الله فأنزل الله الآية. وليس شيء من ذلك واردا في كتب الصحاح. والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية الأولى مدينة ولو صحّ ذلك لكان من المحتمل أن تصحّ الروايات الأولى تبعا لذلك. ولم نر تأييدا لمدنية الآية وطابع المكية بارز عليها بقوة وقد رجح الطبري أن يكون القول حكاية عن مشركي مكة في موقف حجاجي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما أن السياق في صددهم. ونحن نرجح ذلك أيضا ولا سيما أن رواية المدنية محصورة في الآية الأولى مع أنها منسجمة كل الانسجام مع الآيتين التاليتين لها.
وقد يبدو أن عبارة تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً أشبه أن تكون صادرة عن يهود. وأن ترجيح صدورها عن المشركين يبدو غريبا، ونقول في صدد ذلك إن في القرآن آيات تفيد أن المشركين يعرفون رسالة موسى وتوراته ومعجزاته منها آيات سورة القصص [٤٧- ٥٠] التي مرّ تفسيرها. وأن الموقف قد تجدد فكابر المشركون مرة أخرى فحكت عنهم ذلك الآيات التي نحن في صددها. وقد تكون رواية إرسال المشركين لليهود وسؤالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوابهم صحيحة فنزلت الآية لتردّ عليهم وعلى اليهود معا. وجملة وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ بعد العبارة نفسها تلهم بقوة أن الكلام كلام المشركين وأن الخطاب موجه إليهم. هذا وما تقدم من الشرح هو بسبيل تقرير صلة الآيات بالسياق السابق للفصل القصصي والذي دار على مواقف المشركين والتنديد بهم. والمتبادر أن