الذي ارتدّ وفرّ من المدينة. وأنه كان يكتب بعض مقاطع قرآنية مخالفة لما كان يمليها عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيكتب (غفور رحيم) بدلا من (عزيز حكيم) و (عليم حكيم) بدلا من (خبير عليم) وأنه قال مرة حينما أملى النبي صلى الله عليه وسلم آية سورة المؤمنون هذه:
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [١٤] قال: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد نزلت كما قلت فاكتبها، فقال: إني إذا أنزل كما أنزل الله.
ومنها أن شطر الآية الأولى نزل في مسيلمة والأسود النبيين الكذابين اللذين ظهرا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في اليمامة واليمن وأن الشطر الثاني نزل في عبد الله بن سرح. ولقد روي أن عبد الله هذا بعد ذلك الحادث ارتدّ ولحق بمكة ووشى بعمار وجبر وغيرهما من الأرقاء المؤمنين فأخذهم مواليهم وعذبوهم حتى أجبروهم على الكفر ونزل فيه وفيهم آية النحل: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)[١٠٦] ولم يرد شيء من هذه الروايات في الصحاح. ويلوح أن رواية مدنية الآية متصلة برواية كونها في شأن مسيلمة والأسود أو برواية كونها في شأن عبد الله بن سرح بعد الهجرة.
ولسنا نرى أي حكمة ومعنى لوضع هذه الآية في سياق يحكي مواقف مشركي مكة لو كانت مدنية ومنفصلة عن السياق. وحركة مسيلمة والأسود كانت كما قلنا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فتكون صلتها بالآية أكثر بعدا. والروايات في صدد عبد الله بن سرح مضطربة، وسورة المؤمنون التي تروي إحداها قول عبد الله الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما مطابق لما نزل نزلت بعد سورة الأنعام بمدة غير قصيرة.
وكذلك سورة النحل التي تروي بعض الروايات أن بعض آياتها نزلت في سعد والمرتدين المكرهين. وعبد الله هو أخو عثمان بن عفان بالرضاعة، وقد عينه في زمن خلافته واليا على مصر بعد أن عزل عمرو بن العاص. وروت الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه بسبب ارتداده حتى تشفع فيه أخوه، وكل هذا يجعلنا نخشى أن