ومع أن جملة وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ تفيد بقوة الأمر بإفراز الزكاة من غلة الأشجار والزروع وتوزيعها على مستحقيها. فإن الطبري وغيره يروون عن بعض أهل التأويل أن هذه الجملة لا تعني الزكاة لأن الزكاة فرضت في المدينة، وإنما عنت الأمر بالتصدّق من ثمار الأرض، وأنها نسخت حين فرضت الزكاة.
ويلحظ أنه ليس في السور المدينة ما يفيد بصراحة أن الزكاة إنما فرضت في العهد المدني وكل ما فيه بصراحة آية في سورة التوبة فيها تعيين لمصارف الزكاة. وبقية الآيات تأمر بإيتاء الزكاة مع الصلاة إطلاقا.
ولقد علقنا على موضوع الزكاة تعليقا مسهبا في سورة المزمل رجحنا فيه أن الزكاة فرضت على المسلمين ومورست وعينت مقاديرها في العهد المكي. وأوردنا ما لمحناه من قرائن على ذلك في الآيات المكية ومن ذلك كلمة حَقَّهُ في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها. ومن ذلك آيات سورة المعارج هذه:
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) ففي كل ذلك قرائن قوية على ذلك. وآيات المعارج والذاريات تذكر (أموالهم) مطلقا وآية الأنعام التي نحن في صددها تفيد أن غلات الأرض مما كان قد أوجب أداء زكاته أيضا.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآية الأولى مدنية، وروى البغوي أنها نزلت في ثابت بن قيس الذي صرم خمسمائة نخلة في يوم واحد وقسمها على الفقراء ولم يترك لأهله شيئا فنبهت الآية على أن للفقراء حق ولكن ليست لهم جميع الغلة. والرواية غير واردة في الصحاح، ولعل رواية مدنيتها متصلة بذلك.
والآية منسجمة كل الانسجام مع السياق والرواية غريبة في فحواها وتطبيقها. وهذا يسوغ التوقف فيها، والله أعلم.
هذا، وفي الآية دليل شرعي أن زكاة غلات الأرض تؤدى في موسم الحصاد ولا تتبع لقاعدة حول الحول عليها المقررة لزكاة الأموال والعروض التجارية إذا ما كانت هذه الغلات قد كانت النصاب المقرر في السنة وزيادة. وسنزيد هذا الأمر شرحا في مناسبة آتية.