لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قولين: واحد بأنها عنت اليهود والنصارى وأنها نسخت بآيات القتال: وواحد بأنها عنت الذين فرقوا دينهم من أمة محمد وأنها محكمة لأن النسخ إنما يكون لأجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعديل موقفه. وحكم الآية هو بالنسبة لمن يكون بعده من أمته. ويكون مداها إعلانا مسبقا لبراءة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل البدع والأهواء والضلالة والشبهات من أمته.
والأحاديث التي تفسر الآية لم ترد في الكتب الخمسة وإن كان في هذه الكتب أحاديث في التنديد بأهل البدع بدون عطف على الآية على ما سوف نورده بعده.
وروح الآية ومقامها وفحواها يلهم بقوة أنها جاءت مثل سابقتها معقبة على الموقف الحجاجي والجدي الذي وقفه المشركون في التحريم والتحليل ومزاعمهم الكاذبة بدون علم بأن ذلك من دين الله وأنها هي الأخرى بسبيل التنديد بمواقفهم ومزاعمهم وتقاليدهم. وفي الآية السابقة لها قرينة على ذلك لأنها تعني المشركين الذين سبق الكلام عنهم كما هو واضح بكل قوة. ومما يؤيد هذا آيات في سورة الروم آية فيها صراحة وهي: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) .
ويمكن أن يقال والحالة هذه أن ذكر تفرقة اليهود والنصارى شيعا وفرقا وذكر أهل الأهواء والبدع والضلالة والخوارج في معرض هذه الآية هو من قبيل التطبيق.
ولقد ذكر اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم في القرآن كثيرا مما مرّ منه أمثلة. ولقد ندد في القرآن بأهل البدع والأهواء أيضا. ولقد حذر المسلمون في القرآن من ذلك فكان هذا وذاك وسيلة إلى هذا التطبيق.
هذا من ناحية تفسير وشرح الآية في مقام ورودها وظرفها، غير أن إطلاق عبارتها يجعلها هي الأخرى كما هو المتبادر عامة الشمول مستمرة التلقين في إنذارها وتنديدها بكل من يشذ عن طريق الدين الواضح والذي لا يتحمل فرقة ولا