وإرادته، حيث ذهب فريق إلى ما يفيد أن الإنسان مجبور على أفعاله وأنها محتمة عليه في الأزل لا معدى له عنها ولا اختيار له فيها من كفر وإيمان وفساد وصلاح وشرّ وخير، وأن العقاب والثواب ينالان الناس بمحض مشيئة الله وفضله، ولا صلة ولا أثر لأعمالهم فيها في حقيقة الأمر، وحيث ذهب فريق آخر إلى ما يفيد أن الإنسان خالق أفعال نفسه فيؤمن ويكفر ويفسق ويصلح بإرادته واختياره، وأن الله لا يصح عليه إرادة الكفر والفسق من العبد ولا تقديرها عليه، بل ولا يصح أن يكون مريدا للقبيح وأنه يجب عليه الأصلح لعباده، وأن الإنسان يعاقب ويثاب على أفعاله حقا وعدلا، وحيث توسط فريق فذهب إلى ما يفيد أن الله هو خالق أفعال عباده من كفر وإيمان وعصيان وطاعة ومنكرات وصالحات، وكل بإرادته ومشيئته وقضائه وتقديره في حدود عموم تأثير صفاته الأزلية، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء بمعنى خلقه الضلال والهدى، وأنه لا يجب عليه الأصلح، وقرروا مع ذلك للإنسان فعلا اختياريا يثاب عليه إذا كان طاعة وصلاحا ويعاقب عليه إذا كان معصية وفسادا، وقالوا إن معنى أن الله أراد من الكافر كفره ومن الفاسق فسقه ومن المؤمن إيمانه ومن الطائع طاعته إنه أرادها باختيار الناس وكسبهم، وتشاد الجميع حول هذه المواضيع كل يؤيد رأيه ويرد على رأي الآخرين بأساليب جدلية من جهة وعبارات قرآنية من جهة أخرى مقتطعة من آيات أو سياق دون تدبر في بقية الآية أو السياق، ويؤول ما هناك من نصوص تناقض رأيه في ظاهرها ولا تتسق معه على ما هو مبسوط في كتب المتكلمين المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
والموضوع في أصله أي كون الإنسان مخيرا أو مسيرا عويص وموضوع جدلي عام لا ينحصر التشاد حوله في المذاهب الإسلامية الكلامية وله جبهات متنوعة ولا يدخل التبسط فيه في موضوع هذا الكتاب، غير أن المقام يتحمل بعض القول بسبب ما احتواه القرآن من آيات كثيرة جدا اتخذها علماء المذاهب الكلامية الإسلامية مستندا لمذاهبهم المختلفة في هذا الموضوع. ومع أن من المسلم به أن النصوص القرآنية هي سند رئيسي في العقائد والشرائع والأحكام الإسلامية فالذي نعتقده أن الناظر في الآيات القرآنية إذا أخذ المجموعة القرآنية وحدة ولم يغفل