فقد قال غير واحد من المفسرين وعلماء المذاهب أقوالا يستفاد منها أن الآية قد احتوت إخبارا غيبيا بما نجم بعد النبي من خلافات ومنازعات وفرق وشيع وبدع إلخ، في حين أنه جاء في سورة الروم جملة مثلها مسبوقة بجملة فيها صراحة بأنها تعني المشركين كما ترى مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) .
فلو لو حظت هاتان الآيتان وربط بينهما وبين آية الأنعام لما كان محلّ لتلك الأقوال التي تبدو فيها رائحة ما نجم من تلك الخلافات والمنازعات والفرق والشيع والبدع بعد وفاة النبي بسنين قليلة، بل لوحظ سياق آية الأنعام على ما نبهنا عليه في المبحث السابق وخاصة الآيتين: ١٥٥- ١٥٦ لظهر أنه احتوى تنديدا بالمشركين ومواقفهم من الدعوة والقرآن ولبدا الاتساق واضحا بين آيات السورتين القرآنيتين ولما كان محل لتلك الأقوال أيضا، ومن الأمثلة التي تساق في صدد المبحث الحالي ما روي عن ابن عباس في الآية وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا الكهف:[٥٠] .
وهو قوله إن الجن طائفة من الملائكة وإن التسمية من الاختفاء الذي يشمل الملائكة كما يشمل الجن، هذا في حين أن الآية جمعت بين الملائكة والجنّ على اعتبارهما خلقين مستقلين، وإن هناك آيات قرآنية عديدة حكت قول إبليس إنه مخلوق من النار وأخرى قررت أن الجن قد خلقوا من النار، فملاحظة هذا الاشتراك تظهر عدم صحة الرواية لأن هذا ليس مما يمكن أن يخفى عن ابن عباس الذي يوصف بما يوصف به من سعة العلم وقوة الذكاء والإحاطة بالقرآن، وتساعد على القول الحاسم في جنّية إبليس في النصوص القرآنية.
ويمكن أن تساق الآيات التي نصّت على أن الله يهدي من يشاء ويضلّ من