ولقد روى البخاري والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة في سياق جملة حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ حديثا جاء فيه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:«إذا قضى الله الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنّه سلسلة على صفوان فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قالوا للذي قال الحقّ وهو العليّ الكبير فيسمعها مسترقو السّمع فيلقيها إلى من تحته ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن فربّما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدّق بتلك الكلمة التي سمعت من السّماء»«١» .
ونحن في حيرة من هذا الحديث لأن مضمون الآية وسياقها وروح الآيات بصورة عامة تلهم أنها في صدد تحدي المشركين وشركائهم وحكاية مشهد من مشاهد البعث الأخروي أو نفي الشفاعة عند الله إلّا لمن أذن له. وليس لها صلة قريبة أو بعيدة باستماع الشياطين لكلام السماء وأوامر الله حين يقضي قضاءه في شؤون خلقه في الحياة الدنيا.
على أن الطبري والبغوي وابن كثير الذين أوردوا هذا الحديث وحديثا آخر من بابه رووا تأويلات أخرى للجملة القرآنية عن بعض علماء التابعين مثل مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير تفيد أن ما تضمنته الجملة هو ما يكون من أمر المشركين يوم القيامة أو حين ينزل فيهم الموت حيث يسألهم الملائكة سؤال التبكيت عن ما قال الله فيقروا أنه الحق حين لا ينفعهم الإقرار. وهذا التأويل متسق مع روح الجملة القرآنية أكثر كما هو المتبادر ويدل على أن هؤلاء العلماء لم يأخذوا الحديث على أنه تفسير للجملة.
وقد رأينا الزمخشري والخازن والطبرسي والنسفي والنيسابوري يؤولون