والمنحول والمحرف فدونوه وتناقلوه، وجعله المفسرون القديمون من عمد تفسيرهم، بل كان وظلّ الركن الأقوى والأوسع في التفسير، فكان هذا التساهل من جانب المدونين أولا والمفسرين المتقدمين ثانيا باعثا على تسلسل الدور وانتقال الروايات من عهد إلى عهد من دون تحفظ أو تمحيص إلا قليلا حتى صارت كأنها قضايا مسلّمة أو نصوص نقلية يجب الوقوف عندها والتقيد بها أو التوفيق بينها إلخ، وأدى هذا إلى الوقوع في أخطاء وتشويشات ومفارقات كثيرة، سواء كان في صدد السيرة النبوية وأحداثها أو ظروف ما قبل البعثة، أو المفهومات والدلالات والأحكام القرآنية. ولقد كان هذا في أحيان كثيرة مستندا من مستندات أعداء العرب والإسلام المتعقبين للثغرات فيهم، فتمسكوا بكثير من الروايات الواردة في التفسير مع ما هي عليه من وهن وتهافت فأساؤوا فهم القرآن وخلطوا فيه عن عمد أو غير عمد، شأنهم في ذلك شأنهم في التمسك بكثير من الروايات الواردة عن السيرة النبوية والبيئة النبوية وظروفها وما بعدها من أحداث الحركة الإسلامية وظروفها وتاريخها. والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، وقد نبهنا عليها في سياق التفسير، وإليك بعضها على سبيل التمثيل والإيضاح:
(١) فقد نقل الخازن «١» في تفسير أوائل سورة التوبة عن محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما أن النبي عليه السلام أمّر أبا بكر على الحج في أول حجّ بعد فتح مكة وبعث معه أربعين آية من سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم، ثم بعث بعده عليا ليقرأ على الناس صدر براءة ويؤذن بمكة ومنى أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، وأن أبا بكر رجع فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء قال لا ولكن لا ينبغي أن يبلغ هذا
(١) إن إشارتنا إلى كتب تفسير بعينها في هذا الفصل وغيره لا تعني أن عدا هذه الكتب خال من الثغرات التي ننبه عليها ونمثل لها. فإن أكثر ما اطلعنا عليه من هذه الكتب ينطوي على واحدة أو أكثر من هذه الثغرات، وبعضها ينقل عن بعض حرفيا وبعضها يعزو إلى بعض والقليل منها تعليق على ما يورده أو ينقله أو يعزوه وكثير منها يورد فيها بدون تعليق كأنما يتبناه أو ليس له اعتراض وتعليق عليه.