والصورة التي احتوتها الآيات رائعة من شأنها أن تثير في المؤمنين المتقين شعور السكينة والغبطة وفي الكفار شعور الخوف والرهبة. وهذا مما استهدفته كما هو المتبادر مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي المغيب المذكور فيها.
وقد جاءت خاتمة لفصول الجدل والحجاج وحكاية مواقف الكفار كما جاءت خاتمة للسورة بطابع ختامي رائع شأن كثير من السور وبخاصة المكية.
وما احتوته الآيات من استقبال خزنة الجنة والنار للمؤمنين والكفار وكون الملائكة حافين بالعرش يسبحون بحمد ربهم بعد القضاء بين الناس هو متصل بأمر الملائكة المغيب الواجب الإيمان به مع الإيمان بأن لا بد من أن يكون لوروده بالصيغة التي ورد بها حكمة ربانية، ويتبادر لنا أن ما كان في أذهان السامعين من صورة فخمة عن الملائكة وأن قصد تصوير عظمة الله تعالى وروعة سلطانه من هذه الحكمة والله أعلم.
ويلحظ أن المشاهد المذكورة في الآيات من سوق أهل الجنة وأهل النار وقيام خزنة على الجنة وعلى النار ووجود أبواب للجنة والنار مشابهة لما في الحياة الدنيا مما هو متساوق مع الحكمة المتوخاة من اتساق كثير من أوصاف المشاهد الأخروية مع مألوفات الدنيا للتأثير والتمثيل مع واجب الإيمان بحقيقتها المغيبة على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية التي تذكر سوق المتقين إلى الجنة أحاديث نبوية عديدة في وصف الجنة ومشاهد منازل المتقين فيها أوردنا بعضها في مناسبات سابقة «١» وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة.
ولقد أورد هذا المفسر أيضا في سياق الآيات أحاديث عديدة عن أبواب الجنة. منها حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان
(١) انظر تعليقنا على الجنات الأخروية في سورة القلم وتفسير الآية [٨٥] من سورة مريم.