الصحابة والتابعين- وكل ذلك مما يدخل في شمول كتب الحديث- في سلك روايات الملاحم والمغازي من حيث غلبة احتمال تسرب الأخطاء والمبالغات وعدم صحة السند فيقول إنها لا أصل لها.
ومع ذلك فقد صارت هي الأخرى من عمد المفسرين القديمين وكتبهم وانتقلت من دور إلى دور حتى استفاضت في كتب التفسير جميعها تقريبا وغدت نصوصا نقلية يوقف عندها ويتقيد بها بل ويحتج بها بسبب مكانة المصدر الذي نسبت إليه بدءا، ولم تحظ إلا بقليل من النقد والتمحيص، بل وإن ما جرح منها ظل ينتقل من دور إلى دور ويستفيض في كتب التفسير، ويورد في سياق الآيات من جملة الأقوال والتأويلات، ومنها ما لا يذكر جرحه، ولقد جرح بعض علماء القرآن والرواية رواية ابن الكلبي بل سمّاه بعضهم بالكذاب، ولكن كثيرا مما رواه أخذه المفسرون القدماء وتنوقل عنهم دورا بعد دور، منهم ما ذكر راويه ومنهم ما لم يذكر، ودخل كذلك في عداد النصوص المروية التي يوقف عندها ويتقيد ويحتج بها، وهذا شأن كثير من الروايات المجروحة أيضا، فأدى ذلك كله إلى أخطاء وتشويشات وتشويهات ومفارقات ومجادلات كثيرة، وكان وسيلة من وسائل غمز الأغيار والباحثين المستشرقين وطعنهم أيضا كما كان ذلك في روايات الأسباب والمناسبات على ما ذكرناه قبل والأمثلة على ذلك كثيرة جدا نورد بعضها فيما يلي للتمثيل والإيضاح:
(١) ففي تفسير سورة القلم من تفسير ابن عباس المذكور أن النون هو السمكة التي تحمل الأرضين على ظهرها، وهي في الماء وتحتها الثور وتحت الثور صخرة وتحت الصخرة الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله- كأن هذا من العلم الذي عرفه البشر- وأن اسم السمكة ليواش ويقال ليوتي واسم الثور يلهموت ويقال يلهوى ويقال ليوتا، وهي في بحر يقال له عصواص وهو كالصور الصغير في البحر العظيم، وهذا البحر في صخرة جوفاء، وفي هذه الصخرة أربعة آلاف خرق يخرج منها الماء. وقد وردت هذه الأقوال بعينها أو مزيدا عليها أو مبدلة بعض الشيء في كتب عديدة من كتب التفسير منها ما عزي إلى ابن عباس عن أبي صالح