مجال المقايسة والمفاضلة كما أنه لا يمكن التسوية بين الحسنة والسيئة، ومن حسن خلق المسلم الذي قال ربي الله ثم استقام أن يتخلق بكل خلق كريم.
والمتبادر أن كلمتي الحسنة والسيئة تتناولان الأفعال والأقوال معا، وصيغة الأمر في الآيات يمكن أن تكون موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن تكون موجهة للسامع وبخاصة للسامع المسلم، ونحن نرجح هذا لأنه متسق مع روح الآيات. على أنها إذا كانت موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الخطاب يشمل أيضا كل مسلم كما هو المتبادر.
وفي الآيات تعليم قرآني جليل مستمر الإلهام والمدى، فمقابلة السيئة بالسيئة يورث العداء والأحقاد بعكس مقابلة السيئة بالحسنة التي تقلب العدو صديقا وتدل على نبل النفس وكرم الخلق. وقد يندفع المرء أحيانا إلى مقابلة السيئة بالسيئة ففي هذا الموقف يجب على المسلم أن ينتبه إلى أن هذا إنما يكون من نزعات الشيطان ووساوسه وألا يندفع فيه وأن يجنح إلى الأفضل الذي يليق بإسلامه وهو الصبر ودفع السيئة بالحسنة.
ولقد مرّ في سورة الأعراف آيتان مماثلتان لهذه الآيات بعض الشيء في العبارة والهدف وهما: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) حيث يبدو من ذلك اهتمام القرآن العظيم لبثّ روح الخير والتسامح وضبط النفس والبعد عن النزق والغضب ومقابلة السوء بمثله في نفس المسلم.
بل إن القرآن لم يكتف بهذا حيث احتوى آيات أوجبت على المسلم أن تكون صلاته ومعاملاته مع جميع الفئات من أقارب وأجانب وأغنياء وفقراء وعبيد على أساس الإحسان وحثته على ألا يكتفي بما يجب عليه من العدل وتقوى الله بل يتجاوزهما إلى ما هو خير منهما وهو الإحسان كما ترى في هذه الآيات: