(٣) ينادون من مكان بعيد: كناية عن عدم استماعهم لأن المرء لا يسمع صوت من يدعوه إذا كان الداعي بعيدا جدا عنه.
(٤) إنهم لفي شك منه مريب: بمعنى أن الذين يشكون فيه هم في ريب مما يشكون أي غير مستيقنين ومتثبتين في شكهم.
على احتمال أن تكون الآية السابقة مقدمة لهذه الآيات تكون هذه الآيات استمرارا للسياق. فالذين يتعامون عن الحق عمدا ويلحدون في آيات الله هم الذين كذبوا بالقرآن لما جاءهم. وعلى احتمال أن تكون الآية السابقة تعقيبا على ما قبلها تكون هذه الآيات فصلا جديدا متصلا في الوقت نفسه بالسياق السابق أيضا حيث حكي فيه صورة من صور إلحاد الملحدين في آيات الله التي منها القرآن.
وعلى كل حال ففي الآيات صورة من صور الجدل الذي كان يدور حول القرآن بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار المكابرين:
١- فالذين كابروا في آيات الله الماثلة في الكون هم الذين كابروا أيضا في القرآن لما جاءهم وحاولوا التشويش عليه وهو الكتاب المنيع العلي المعتد الذي لا يرام والذي لا يأتيه الباطل والتحريف من أي جهة لأنه تنزيل من الله الحكيم الذي يفعل ما يفعل على غاية من الصواب والإحكام ويستوجب على كل ما يفعل الحمد والثناء. وما يقوله الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم قد قاله أمثالهم للرسل من قبله، وإن الله لرقيب عليهم وهو ذو العقاب الأليم كما هو ذو المغفرة الواسعة لمن يستحقها.
٢- ولو أنزل الله القرآن بلسان غير عربي لاعترض الكفار أيضا وتساءلوا عن عدم تفصيل آياته بلسان يفهمونه فكيف يكون قرآنا عربيا وأعجميا في آن واحد.
٣- وعلى النبي أن يعلن- ردا على ما يقولونه- أن القرآن هو هدى وشفاء للذين آمنوا وصدقوا وحسنت نياتهم وصفت طواياهم ورغبوا في الحق في حين أن الكافرين لن ينتفعوا به لأن في آذانهم صمما وفي عيونهم ظلمة أو كأنهم ينادون من مكان بعيد فلا إمكان لإسماعهم النداء.
٤- ولقد كان هذا شأن الناس تجاه الكتاب الذي آتاه الله موسى عليه السلام،