٢- وتقرير بأن كل ما يمكن أن يتمتع به الكفار من بهارج الدنيا وزخارفها وذهبها وفضتها ليس إلّا متاعا قصير الأمد قاصرا على الدنيا وأن المتعة الحقيقية إنما هي متعة الآخرة للمتقين عند الله لأنها المتعة الخالدة.
وظاهر أن الآيات جاءت معقبة على سابقاتها وبخاصة الأخيرة منها ومتصلة بموضوعها، والفقرة الأخيرة من الآية الأخيرة احتوت تطمينا للمؤمنين المتقين وتنويها بمقامهم عند الله بالمقابلة.
وقد قال بعض المفسرين «١» في صدد الفقرة الاستدراكية الواردة في أول الآية الأولى إنها في معنى (لولا أن يغري الناس بالكفر فيكونوا جميعهم كافرين لمنح الله للكافرين تلك البهارج الدنيوية) . ولا يخلو هذا من وجاهة وإن كان المعنى الذي أولناها به هو الذي يتبادر لنا أن الآية تلهمه أكثر والله أعلم.
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق هذه الآيات حديثا عن سهل بن سعد قال:
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة ماء» . وحديثا عن المستورد بن شداد قال:«كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها. قالوا: من هوانها ألقوها، قال: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» .
ولم يرو البغوي علاقة ظرفية بين الحديثين والآيات غير أن هذه العلاقة ملموحة بشكل ما، فالحديثان بسبيل بيان تفاهة وهوان شأن الدنيا ومتاعها وبهرجها مما يجعل الكفار والمشركين يظنون أنهم في إحرازهم لها يكونون أصحاب الحق في الحظوة عند الله أو أن ذلك مظهر من مظاهر عناية الله بهم. وبسبيل التنبيه على أن العواقب الحسنة الطيبة هي من نصيب المؤمنين المتقين وعلى ضوء هذا الشرح
(١) انظر تفسيرها في تفسير الخازن وابن كثير والبغوي.