للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا هم موضوع الكلام والخطاب والدعوة حين نزول الآية، ولأن تأييد آية سورة الحج بخاصة قوي بل حاسم.

وتبعا لهذا أو نتيجة له يصح أن يقال إنه صار للعرب رسالة إنسانية وعالمية خالدة لما في القرآن والحكمة النبوية من معجزات باهرة وتشريعات ومبادئ خالدة تستجيب لكل حاجة من حاجات البشر وتحلّ كلّ مشكلة من مشاكلهم في كلّ ظرف من ظروفهم. وسواء في ذلك المسائل والمشاكل والشؤون الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والأسرية والإنسانية أم المسائل والمشاكل الروحية والإيمانية والعقيدية مع سعة غير محدودة في الأفق، ومرونة كبرى في التطبيق وسمو لا يدانى في الأسس والأهداف يكفل تقدم معتنقيها قدما إلى أسمى ذرى الكمال الإيماني والروحي والعلمي والتشريعي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي والاقتصادي والأسري والإنساني بكل قوة وسرعة ودون ما أي عائق وجمود وتعقيد. وإمدادهم بأسباب الصيانة الروحية والأخلاقية، وإمدادهم بذخر من الفيض الروحي الذي يحول بين فراغ النفس واليأس والانهيار في الأزمات ويدفع عنهم نوازع الشر والأنانية والهدم إذا هم فهموها وساروا على نهجها بإيمان وصدق خلافا لما يتوهم الذين لم يدرسوها دراسة واعية «١» بحيث


(١) ناقشنا هذا الموضوع بالذات في مقدمة كتابنا «الدستور القرآني في شؤون الحياة» مناقشة وافية، وفي هذا الكتاب فصول وشروح في مبادئ وتعاليم وأهداف وأحكام وتلقينات القرآن ما يلجم كل مكابر ممار. ومثل هذا بارز واضح فيما مرّ وفيما يأتي من أجزاء هذا التفسير وفي خلال آلاف الأحاديث النبوية التي أوردناها في سياق تفسير السور وما لم نوردها مما هو مبثوت في كتب الأحاديث الصحيحة يبدو نور النبوة الوهاج الذي يتساوق مع القرآن في مثل تلك المبادئ والتعاليم والأهداف والأحكام والتلقينات. وهناك شهادات لا تحصى لعلماء الغرب الاجتماعيين بما كان من أثر ذلك فيما قام من حضارة عربية إسلامية باذخة في القرون الإسلامية الأولى في مشارق الأرض ومغاربها. وهذه واحدة نوردها نشرت في ظرف كتابة هذا التعليق في العدد الثالث من السنة الخامسة من مجلة «حضارة الإسلام» التي تصدر في دمشق (جمادى الأولى ١٣٨٤) ، مقتبسة من كتاب «قانون التاريخ لجوفيه كستلو» قال: «كان التقدم العربي بعد وفاة الرسول عظيما، جرى على أسرع ما يكون وكان الزمان مستعدا لانتشار الإسلام فنشأت المدنية الإسلامية نشأة باهرة قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر أثره في الفنون والآداب والشعر والعلوم وقبض العرب بأيديهم خلال عدة قرون على مشعل النور العقلي وتمثلوا جميع المعارف البشرية التي لها مساس بالفلسفة والفلك والكيمياء والطب والعلوم الروحية فأصبحوا سادة الفكر مبدعين ومخترعين لا بالمعنى المعروف بل بما أحرزوا من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقّادة للغاية. وكانت المدنية العربية قصيرة العمر إلّا أنها باهرة الأثر وليس لنا إلّا إبداء الأسف على اضمحلالها» . ومصداق هذا وتفصيله مبثوث في الكتب العربية التي وصل إلينا بعضها وضاع كثير منها وخبوء نور المدنية العربية الإسلامية إنما كان بسبب ما قام بين العرب من فتن واندسّ من دسائس وتغلب عليهم نتيجة لذلك من متغلبين جهلاء.
وقد نوّهنا بشهادات علماء العرب لأن كثيرا من الذين يتسمون بالقومية العربية ويحاولون فصل الإسلام عن العروبة أو أكثرهم قد نشأوا نشأة غربية وكانوا وظلوا غرباء عن النشأة العربية الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>