الذين رأوا ازدياد أذى المشركين عليهم في مكة فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمقابلة «١» .
والروايتان تنقضان رواية مدنية الآية. ويلاحظ من ناحية ثانية أن الآيتين منسجمتان، وأن الثانية متممة للأولى، وأن مضمون الآيتين متسق مع ما احتوته آيات مكية عديدة من الحثّ والصفح والصبر. لذلك فنحن نشك في مدنية الآية، بل نجزم بعدم صحة رواية ذلك. أما ما ذكرته الروايتان من مناسبة النزول فقد يكون صحيحا حيث إنه من الممكن أن يكون عمر بن الخطاب أو غيره قد أنفوا من تحمل شتيمة الكفار وأذاهم فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمقابلة فاقتضت حكمة الله تهدئتهم. غير أن الذي يتبادر لنا أن الآيتين غير منقطعتين عن السياق السابق وأنهما في صدد موقف الكفار من آيات الله وسخريتهم وعنادهم. ونميل إلى القول إن بعض المسلمين قد تساءلوا عن حكمة الله في الصبر عليهم أو قد فكروا في الجنوح إلى مجادلة الكفار أو الرد عليهم بشيء من العنف فاقتضت حكمة التنزيل تهدئتهم والأمر بترك الأمر لله تعالى. وفحوى الآيات السابقة مما يقوي هذا التوجيه حيث احتوت صورة شديدة لموقف الكفار.
وحكمة أمر الله ظاهرة سواء أكان الأمر بعدم المقابلة على الأذى والشتيمة أم بعدم العنف في الجدل والدعوة. فبالنسبة للأمر الأول فقد كان المسلمون قلة ضئيلة وكان خصومهم أشد قوة ومالا وعددا فلو سمح لهم بالمقابلة لتطور الأمر وهيىء للكفار فرصة لضربهم ضربة ساحقة قد يكون لها على الدعوة أسوأ العواقب. وبالنسبة للأمر الثاني فالأوامر القرآنية المكية ظلت تتوالى- وقد مرّ من ذلك أمثلة كثيرة- بوجوب الاكتفاء بالإنذار والتبشير والترغيب والترهيب والتذكير والتنديد والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والعنف في الدعوة أو الدفاع عنها مخالف لذلك.
ولقد قال المفسرون إن هذه الآية نسخت بآيات القتال المدنية، وقال الطبري إن هذا مجمع عليه عند أهل التأويل. ولقد قيل هذا في كل أمر في الآيات المكية