للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها ما لم يرد. وفي جميعها غرائب وتناقضات ولقد روى المفسرون بعضها في سياق سورة الجنّ حتى ليتبادر من سياق بعضهم أن حادث الجن المذكور في سورة الجنّ وهذا الحادث واحد «١» . مع أن الشقة واسعة بين نزول السورتين- ربما كانت بضع سنين- ومع أن فحوى آيات كلّ من السورتين يفيد بقوة أنهما حادثان مختلفان ولم تسند رواية الاستماع في طريق العودة من الطائف بأي سند، ولم يرو أحد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه دعا بالدعاء المروي ولم يكن معه أحد، وإحدى الروايات تذكر أن سماع الجن كان في طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف يائسا حزينا في نخلة بينما تذكر رواية أخرى أنها في نخلة أيضا ولكنه كان مع أصحابه وبينما تذكر رواية أخرى أنها كانت في بعض شعاب مكة حتى إن أصحابه افتقدوه وخافوا أن يكون اغتيل أو استطير.

وإحدى الروايات تروى عن ابن مسعود أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب لتلاوة القرآن للجماعة إجابة لدعوته وأنه أخبر أصحابه بذلك في حين أن رواية أخرى عن ابن مسعود أيضا تذكر أنه لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم أحد.

والروايات تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجن بأشكالهم وثيابهم واجتمع بهم وقضى بينهم في حين أن فحوى الآيات يفيد أن الحادث قد أوحي به، ويلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر به. هذا إلى ما في الروايات من غرائب عن أشكالهم وزادهم وأسمائهم وقبائلهم وظروف الاستماع والاجتماع، في حين أن آية سورة الأعراف هذه: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [٢٧] تفيد أن الإنس لا يرون الجن «٢» .

ولقد أورد ابن كثير الذي أورد هذه الأحاديث وغيرها قولا عن ابن عباس في سياق هذه الآيات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قرأ على الجنّ ولا رآهم وإنما أوحي إليه


(١) انظر تفسير البغوي.
(٢) الآية في صدد إبليس ولكن إبليس هو من الجن كما جاء في آية سورة الكهف هذه: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ... [٥٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>