كبشا ذا قرنين ينطح غربا وشمالا وجنوبا فلم يقف حيوان قدامه وإذا بتيس من المعز جاء من المغرب له قرن واحد فهجم على الكبش ذي القرنين وضربه وكسر قرنيه وصرعه على الأرض وداسه، فالتمس دانيال من جبريل أن يفسر له الرؤيا فطمأنه بأنها بشرى بخلاص إسرائيل من السبي وأن الكبش ذا القرنين هو ملوك ماداي وفارس وأن تيس المعز هو ملك ياوان.
ولقد ذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس «١» في تاريخه الذي ألّفه في القرن الأول للميلاد المسيحي ووصل إلى عهدنا أن أحبار اليهود تقدموا إلى الإسكندر المكدوني حينما جاء إلى أورشليم بعد أن انتصر على ملك فارس دارا الثالث وقوض مملكته وأوردوا على مسامعه رؤيا دانيال وقالوا له إنه هو المقصود من تيس المعز الذي ضرب بقرنه ذا القرنين ملك فارس وكسر قرنيه. فالنعماني فسر ذا القرنين بدارا الكبير بسبب تعاظم ملك فارس في زمنه وأبو الكلام فسره بكورش بسبب كونه هو الذي قوض ملك بابل ونجّي بنو إسرائيل من السبي في زمنه. مع أن الإسكندر الذي فسره اليهود بالتيس ذي القرن الواحد إنما ضرب وغلب دارا الثالث الذي كان في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد.
ومهما يكن من أمر فإن من واجبنا أن ننوه بجهد العالمين وإن كان من الحق أن نقول إن استنتاجاتهما لا تصل في رأينا إلى مبلغ الإقناع، وإن كنا نرى أن أبا الكلام كان أقرب إلى التوفيق لأنه استند إلى سفرين آخرين من أسفار العهد القديم ذكر فيهما كورش. وهذان السفران هما سفر نبوءة أشعيا وسفر عزرا. ولقد جاء في الإصحاح الرابع والأربعين من الأول بلسان الربّ هذه العبارة:«أنا القائل لكورش أنت راعيّ وأنت متمم لكل ما أشاء» . وجاء في الإصحاح الخامس والأربعين هذه العبارة: «هكذا قال الرب لمسيحه كورش الذي أخذت بيمينه لأخضع الأمم بين يديه وأحل أحقاء الملوك وأفتح أمامه المصاريع إني أسير قدامك فأقوم المعوج وأحطم مصاريع النحاس وأكسر مغاليق الحديد وأعطيك كنوز الظلمة ودفائن
(١) انظر تاريخ يوسيفوس اليهودي الترجمة العربية طبعة صادر ص ٢٤.