وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [١٠٦ و ١١٠] وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة. وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان وأن بعض هؤلاء أو جميعهم- إن كانوا أكثر من واحد- قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم وجاهدوا وصبروا على ما لا قوة من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [١٠٧] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان وظلّ وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين واحتوت الآية [١١٠] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعلّ من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [١١٠] وفي كلّ ذلك صور من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [٩١- ٩٧] التي سبقت