الثاني الهجري من المحيط الأطلسي غربا إلى حدود الصين والهند شرقا ومن جبال القفقاس وأرمينية وبحري قزوين والخزر وهضبة تركستان شمالا إلى بلاد السودان والحبشة والصومال جنوبا وشملت فيما شملت قسما من غرب أوروبا وسواحلها الجنوبية والغربية وجزر البحر الأبيض المتوسط. وكان انتشار اللغة العربية يسير سيرا سريعا في الوقت نفسه في مختلف أنحاء هذه المساحة الشاسعة والواسعة مع انتشار الإسلام لأنها لغة الدين الذي أقبل أهلها على اعتناقه والذي لا يفهم فهما صحيحا إلّا من منابعه وهي القرآن والحديث وبلغته الأصلية فضلا عن وجوب تلاوة القرآن باللسان العربي الذي أنزله الله به في الصلاة وفضلا عن أن هذا اللسان هو لسان الحكام في البلاد، حتى غدت اللغة العربية هي اللغة الوحيدة تقريبا لأهالي البلاد التي تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي والتي ظلت تحت السلطان العربي بدون انقطاع وغدا نصف مفردات لغات الأمم الأخرى التي في شرق هذه الساحة وغربها وجنوبها وشمالها والتي حالت المنازعات والمنافسات بين العرب دون بقاء سلطانهم فيها حيث يبدو من هذا صحة ما قلناه من أن اللغة العربية كانت مرشحة لتكون لغة العالم تبعا لترشح الإسلام ليكون دين العالم.
ولم يتوقف انتشار الإسلام قط- واللغة العربية تبعا له- برغم ضعف السلطان العربي في القرن الثالث الهجري وبعده بل إن عدد الذين دانوا بالإسلام في هذا الدور بلغ أضعاف من دانوا به في دور قوة السلطان العربي وتجاوز الحدود التي وقف عندها إبّان قوة هذا السلطان إلى آفاق بعيدة في الصين والهند وجزر المحيط الهندي والمحيط الكبير مثل أندونيسيا والفلبين واليابان وفي أواسط إفريقية وفي أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية بفضل استمرار المسلمين العرب ومن غدا في حكمهم من المستعربين على القيام بالمهمة التي حملهم إياها القرآن لأن عناصر الاستجابة إليه ليست القوة والغلبة ولكنها المبادئ السامية الدينية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والإنسانية التي انطوت فيه وفي الأحاديث النبوية المتساوقة والتي لا تحتاج إلّا إلى قلوب صافية ونوايا حسنة ورغبة صادقة في الحق والهدى مجردة عن العناد والأنانية والمآرب ثم إلى دعاة مخلصين. ولسنا نشك في أن الله