قبل قليل. ولقد جاءت آيات آل عمران [٩٦- ٩٧] التي أوردناها قبل والتي فيها ذكر مقام إبراهيم عقب آيات فيها تنديد ببني إسرائيل وتحدّ لهم بالإتيان بالتوراة بحيث يمكن القول إن صلة إبراهيم وإسماعيل بالكعبة وسكنى إسماعيل في وادي مكة وكونهما جدي العرب الأقدمين مما كان يتداوله اليهود ويذكرونه في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وعصره، وفي هذا تأييد وتدعيم. والله أعلم.
ومهما يكن من أمر فالذي نراه هو الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيراده في هذه الآيات وغيرها مما له صلة بإبراهيم وملّته والكعبة وتقاليد الحج وأبوة إبراهيم وإسماعيل للعرب مع ملاحظة هامة هي أن الآيات هنا وفي غير مكان قد استهدفت التذكير والتدعيم للدعوة النبوية. فالسامعون للقرآن كانوا يعرفون ويتداولون نسبتهم إلى إبراهيم وإسماعيل وكون دينهما هو التوحيد وخبر سكنى إسماعيل في مكة وصلة إبراهيم وإسماعيل بالكعبة وما يتمتعون به من أمن في حرمها. فالتذكير بذلك في معرض الدعوة النبوية والتنديد بالكفار السامعين لانحرافهم عن طريق أبويهم الأقدمين يكون ملزما ومحكما.
هذا، ولقد وقف المفسرون عند تعبير عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ فقالوا إن الكعبة كانت مبنية قبل الطوفان فهدمها الطوفان أو رفعها الله وإن إبراهيم إنما جدد بناءها ولذلك جاءت الجملة على اعتبار ما كان. كما قالوا إن الجملة هي على اعتبار ما سيكون بعد قيام البيت الذي عرف إبراهيم مكانه وأمر ببنائه بالوحي. والتعليل الأول ذكر أيضا في سياق آيات البقرة والحج وآل عمران المذكورة آنفا. ومثل هذا لا يصح أن يؤخذ به إلّا بأثر نبوي وثيق وليس هناك مثل هذا الأثر، والتعليل الثاني هو الأوجه كما هو المتبادر.
ولقد تعددت الأقوال في مدى كلمة (المحرّم) ، فقيل إنها بمعنى الذي يحرّم عنده ما لا يحرم عند غيره. أو إنها بمعنى الذي يحرّم التعرض له والتهاون به أو إنها بمعنى العظيم الحرمة. أو إنها بمعنى الذي يمكن الناس من العبادة عنده والإقامة في كنفه آمنين محرم ظلمهم ودمهم والعدوان عليهم. وكل هذه الأقوال