علّقنا في المناسبات السابقة أن ما ورد في القرآن من أخبار لم ترد في الأسفار المتداولة قد وردت في أسفار وقراطيس كانت متداولة بين يدي اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وضاعت نقول ذلك بالنسبة لهذه القصة.
وقد يؤيد هذا ما روي من تفصيل هذه القصة عزوا إلى ابن عباس حيث يفيد أن ذلك مما كان متداولا في بيئة النبي عن طريق أهل الكتاب على ما هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون القصة في صيغ مختلفة مع الاتفاق في الجوهر حيث رووا أن غنما لجماعة دخلت كرم جماعة أخرى أو حقل زرع لها فأفسدته فشكى صاحب الكرم أو الحقل أمره لداود فقضى له بالغنم فراجعه سليمان وقال غير هذا يا نبي الله أو قال سليمان لو كان الأمر إليّ لقضيت بغير هذا فسأله أبوه رأيه في القضية فقال: تدفع الكرم أو الحقل إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم لصاحب الكرم أو الحقل فيصيب منها حتى إذا صار الكرم أو الحقل كما كان دفعت الغنم لصاحبها والكرم أو الحقل لصاحبه.
ولقد علق المفسرون «١» على القصة تعليقات ورووا في مناسبتها روايات وأحاديث يمكن أن تكون قواعد وتشريعات إسلامية.
من ذلك جواز الاجتهاد للأنبياء فيما ليس فيه وحي رباني وتفهيم الله لنبي بحكم أصوب من حكم نبي آخر وعدم تعارض ذلك مع تقرير الحكم والعلم لكل منهم. وعدم إثم المجتهد إذا أخطأ في اجتهاده والحاكم إذا أخطأ في حكمه وجواز رجوع الحاكم بعد قضائه من اجتهاد إلى أرجح منه وإن الاختلاف في الاجتهاد يعني تعدد الصواب في القضية. فالصواب الذي في علم الله واحد لا يختلف باختلاف الاجتهاد. وقد أوردوا حديثا نبويا رواه البخاري عن عمرو بن
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي والقاسمي. وأكثر هذه التعليقات والقواعد في تفسير القاسمي.