من ضلال حتى يلاقوا اليوم الذي فيه يموتون ويصعقون بعذاب الله فيتحققوا حينئذ أنه لن يغني عنهم كيدهم ولا مكابرتهم شيئا ولن يجدوا لهم ناصرا.
٣- وإنذار للزعماء الذين يتولّون قيادة المناوأة والمعارضة فإنّ لهم عذابا إضافيا آخر يتناسب مع عظم جرمهم ولو لم يحسبوا حسابه ويوقنوا به.
٤- وحثّ للنبي على الصبر والثبات انتظارا لأمر الله وحكمه، وتطمين بأنه موضع عناية الله ونظره وحمايته ولن يصيبه من كيدهم شيء. وعليه أن يستمرّ على حمد الله وتسبيحه والتمسك بحبله والاعتماد عليه في جميع أوقاته وحركاته وظروفه وحينما يقوم من مجلسه أو منامه وحينما يغشاه الليل وحينما تغيب النجوم ويسفر النهار.
والآيات كما هو واضح استمرار للسياق. وأسلوبها التطميني للنبي قوي.
ولا شك في أنّ هذا الأسلوب التطميني الذي تكرر كثيرا لتكرر المناسبات كان مما يمدّ النبي صلى الله عليه وسلم بالقوّة والتأييد والتحمل ويجعله يستمر في مهمته غير مبال بقوة الكفار وكثرتهم ويستغرق في عبادة الله وذكره وهو مطمئن بحسن العاقبة.
وقد جاءت الآيات خاتمة للسورة. وطابع الختام ظاهر عليها وبخاصة على الآيتين الأخيرتين.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن المقصود من جملة عَذاباً دُونَ ذلِكَ هو عذاب القبر قبل عذاب القيامة وروى عن ابن زيد أنه مصائب تصيب الذين ظلموا في الدنيا عقوبة لهم قبل عذاب الآخرة. ويتبادر لنا من تعبير لِلَّذِينَ ظَلَمُوا في مقامه أنها في صدد زعماء الكفار وأن الإنذار بعذاب إضافي أو متقدم عن عذاب الآخرة لأنهم لا يكتفون بالإعراض عن الدعوة بل يحملون غيرهم على ذلك. وفي آية سورة النحل هذه الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) تدعيم لذلك. وقد يكون القول إن المقصود من العذاب المنذر به هو مصائب تصيب الظالمين في الدنيا عقوبة لهم هو الأكثر تناسبا مع ذلك. وفي هذا توكيد للتلقين القرآني الذي انطوى في الإنذار الرباني المتكرر.