فتقرأ وتسمع، وإن القرآن باعتبار أنه متصف بما هو صفات المخلوق وسمات الحدوث من تأليف وتنظيم وإنزال وتنزيل وكتابة وسماع وعروبة وحفظ وناسخ ومنسوخ إلخ هو مخلوق ولا يصح أن يكون قديما أزليا، ويقولون إن القرآن اسم لما نقل إلينا عن دفتي المصحف تواترا وهذا يستلزم كونه مكتوبا في المصاحف مقروءا بالألسن مسموعا بالآذان وكل ذلك من سمات الحدوث بالضرورة، فيجيبهم الأشاعرة بأنه كلام الله مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتنا مسموع بآذاننا غير حال فيها بل هو معنى قديم قائم بذات الله يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالنظم المخيل، ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف ويكتب بالقلم، وإن المراد بأن القرآن غير مخلوق هو حقيقته الموجودة في الخارج إلخ.
وواضح أن الجماعات المختلفة معترفون بكمال صفات الله، وإن اختلافهم هو حول آثار هذه الصفات الكاملة وتخيلها وتفهمها ومداها، وأن شأنهم في هذا شأنهم في الخلافيات الكلامية الأخرى منهم المعظم لله ومنهم المنزّه له وإنهم متفقون على أن القرآن منزل من الله على نبيه.
ولا يعنينا التبسط في هذه المسألة الخلافية وتاريخها، ونعتقد أنها ذات صلة بالأحداث السياسية والنحلية والطائفية والعنصرية التي حدثت في القرون الإسلامية الأولى، وكان لتسرب الأساليب الكلامية والكتب الفلسفية الأجنبية أثر قوي فيها، وأنها لا تتصل بآثار نبوية وراشدية موثقة ثابتة في ذاتها، فضلا عن ما هناك من آثار نبوية وراشدية تنهى عن التورط في بحوث قد تنتهي إلى الخوض في ماهية الله والقرآن ومحتوياته وإنه يكفي للمسلم أن يظل فيها في حدود التقريرات القرآنية من أن القرآن كلام الله ومن عند الله، ومن أن الله ليس كمثله شيء، وإن ما عدا ذلك متصل بسرّ الوجود وواجب الوجود وسرّ الوحي والنبوة مما لا يستطاع إدراكه بالعقل البشري، وإنه لا طائل من الجدل والخلاف فيه ولا ضرورة له، وإنما الذي يعنينا هنا هو تقرير أن هذه المسألة الخلافية قد تكون أدت بين حين وآخر وبقصد وبغير قصد إلى إغفال صلة الفصول والآيات القرآنية بأحداث السيرة النبوية