ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ستّ سنين لأنّ الله قال في بضع سنين وأسلم عند ذلك ناس كثير» «١» .
ومضمون حديث الترمذي هذا قد يفيد أن انغلاب الروم وغلبتهم بعد بضع سنين قد كانت قبل الهجرة. وهذا يقتضي أن تكون السورة أو الآيات نزلت قبل الهجرة بسنين كثيرة مع أنها كانت على ما يدل ترتيب نزولها المتفق عليه تقريبا في التراتيب المرويّة من آخر ما نزل من القرآن في مكة حيث هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة بعد نزولها بمدّة قليلة.
على أن هناك رواية تفيد أن انتصار الروم قد كان في ظرف معركة بدر التي كانت بعد الهجرة بنحو سنة ونصف ورواية أخرى تفيد أنه كان في ظرف صلح الحديبية الذي كان بعد الهجرة بنحو ستّ سنين. وهذه الرواية أوجه لأن بين نزول سورة الروم وصلح الحديبية نحو سبع سنين. وقد سمّى القرآن هذا الصلح بالفتح المبين ونزلت فيه سورة الفتح أو معظمها على ما سوف يأتي شرحه في مناسبتها فكانت فرحة المؤمنين مزدوجة بالفتح المبين الذي كتبه الله لهم على المشركين وبغلبة الروم الذين كان المؤمنون يعتبرونهم حزبا معهم على الفرس الذين كان المشركون يعتبرونهم حزبا معهم بعد غلبة هؤلاء على الروم. وهكذا تحققت نبوءة من نبوءات القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحقّق الله وعده وبشراه فعلا خلال بضع سنين وفرح المؤمنون بنصر الله. وهذه الحقيقة مسجّلة في الكتب التاريخية القديمة المعتبرة.
ولقد أورد الطبري وغيره في سياق الآيات بيانات كثيرة معزوة إلى علماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول في ما كان من وقائع ومكائد متبادلة بين الفرس والروم وفي ما كان من أحوال الفرس والروم من حالات دينية واجتماعية وسياسية وعمرانية وما كانت في القسطنطينية خاصة من آلاف الكنائس وما كان يعقد فيها من مجالس دينية إلخ ... اختلطت فيها الحقائق مع الخيال والمبالغات وتدلّ مع ذلك