التابعين «١» أن المراد بالفطرة هو الإسلام. وقد يعني هذا التدين أي الشعور بفكرة الدين أو بقوة خالقة عاقلة وراء هذا الكون، ووحدانية هذه القوة وعبادتها وإسلام النفس لها غريزة من غرائز الناس التي فطروا عليها في كل ظرف ومكان، والمتوقع أن يمارسوها إذا لم يتأثروا بالأهواء والتقاليد المنحرفة المحيطة بهم أو التي ينشأون في جوها والتي قد يكون نشوءها نتيجة جهل أو مأرب لأن عقل الناس في حالة صفائه ومهما كان بدائيا لا يمكن إلّا أن يدرك ذلك. وهذا ما عبرت عنه بأسلوب آخر آية سورة يونس هذه: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [١٩] على ما شرحناه في سياق تفسير هذه السورة.
ومن هنا كانت حكمة الله عزّ وجلّ في إرسال الرسل مبشرين ومنذرين للتنبيه على الانحراف وردّ الناس عنه كما ذكر ذلك في آية سورة البقرة هذه كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) والمقصود بالذين آمنوا هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هنا تبدو وجاهة تفسير ابن عباس بأن الدين الإسلامي هو دين الفطرة الإنسانية الصافية التي فطر الله الناس عليها.
ولقد احتوت التقريرات القرآنية التي مرّ كثير منها في السور السابقة الدلائل التي لا ينكرها إلّا مكابر على وجود الله ووحدانيته واتصافه بجميع صفات الكمال وتنزّهه عن الشوائب واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه. وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية حيث يتمّ بذلك تقرير صورة العقيدة الإسلامية للدين القيّم وهي فطرة التدين وفكرة الله ووحدانيته وإسلام النفس إليه. وهذه العقيدة من شأنها أن تقي صاحبها من الأهواء والنزوات والفراغ والانهيار واليأس وتمده بمدد فيّاض من القوّة والحيويّة والطمأنينة والسكون يحرم منه من لم يدن بها.