(٣) إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا: القصد من هذه الجملة تقرير كون الأوثان لن تفيدكم إلّا صلات مودّة دنيوية لا فائدة منها في الآخرة ولا معول عليها. أو إنما اتخذتموها بهدف منفعة الدنيا على غير طائل.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجلّ ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء ممّا علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملّته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية.
فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جرّاء ذلك لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.