تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صحّ حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى (يثرب) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك «١» . والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) .
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن
(١) انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص ٤٢٨ وما بعدها.