ومن ذلك في صدد تسبيح الرعد، حيث روى بعضهم أن الرعد اسم لملك من ملائكة الله وبعضهم أنه زفرة ملك السحاب وهو يسوقه. والقولان يعنيان أن الملك هو المسبّح لله تعالى. وقد أورد بعضهم حديثا رواه الترمذي عن ابن عباس في تأكيد ذلك حيث جاء فيه:«أقبلت يهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال:
زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت» «١» . ويظهر أن هناك من لم يثبت عنده هذا الحديث حيث قال الطبرسي في تخريج الجملة إن الرعد يدل بنفسه على عظمة الله وصولته وهذا معنى تسبيحه. وقال الخازن إن صوت الرعد يسبّح الله عزّ وجلّ لأن التسبيح والتقديس عبارة عن تنزيه الله عز وجل عن جميع النقائص. ووجود هذا الصوت المسموع من الرعد وحدوثه دليل على وجود موجود خالق قادر متعال عن النقائص فهذا تسبيح ومن ذلك قوله تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: ٤٤] وإلى هذا قال الخازن قولا آخر وهو أن المراد من تسبيح الرعد أن من سمعه سبّح الله فلهذا المعنى أضيف التسبيح إليه، ونحن نميل إلى الأخذ بهذه الأقوال الظاهرة وجاهتها في تأويل وتخريج الجملة القرآنية.
ومن ذلك في تعريف الصواعق حيث قالوا إنها نار تنزل من السماء فتحرق ما تصادفه من مواد قابلة للاحتراق. ومما جاء في كشاف الزمخشري بصيغة قالوا إنها نار تنقدح من السحاب إذا اصطكت بأجرامه وهي نار لا تمرّ بشيء إلّا أتت عليه إلّا أنها مع حدتها سريعة الخمود. وهي من فعل صعق الذي يفيد شدة الذهول أو الموت المفاجئ بسبب حادث أو صوت قوي يشهده المرء أو يسمعه. ومن هذا ما وصف به موسى حينما تجلّى ربّه للجبل بهذه الجملة فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الأعراف: ١٤٣] وما وصف به ما يطرأ على
(١) التاج ج ٤ ص ١٣٥، وقد قال المؤولون إن مخاريق النار هي البرق.