من (ييأس) على ما ذكره الطبري وغيره. وصحة هذه القراءة لا تخلّ بالمعنى المراد. حيث تكون بمعنى (ألم يتيقن المؤمنون مما رأوه من شدّة عناد الكفار أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) وإن كانت كلمة (ييئس) أقوى تعبيرا في هذا المقام حيث ينطوي فيها تقرير كون ما ظهر من الكفار من عناد من شأنه أن ييئس المؤمنين من ارعوائهم.
ونكرر هنا ما قلناه في مناسبات سابقة من أن الآية- وهي تتضمن الإشارة إلى شدّة عناد الكفار وإصرارهم وترهص باليأس منهم ولو على سبيل تسلية المؤمنين- إنما تسجل واقع أمرهم حين نزولها حيث اهتدى معظمهم وآمنوا.
ولقد روى المفسرون «١» عن ابن عباس أن جملة وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ أنها السرايا التي كان يبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإزعاجهم. وهذا يقتضي أن تكون الآية مدنية. ولقد روى بعض الذين ذكروا مكية السورة أن هذه الآية مدنية حيث يكون في ذلك- إذا صحّ- تأييد للرواية.
غير أن الذي يتبادر لنا أن الجملة جزء من آية فيها صورة مكية لا تتحمل شكا مما يجعلنا نتوقف في مدنية الآية. ونرجح أن القارعة هي ما روي عن إصابة أهل مكة بالجوع، أو من قبيل الإنذار مما تضمنته آيات سورة الدخان [٨- ١٦] والمؤمنون [٧٥- ٧٧] والسجدة [٢١] التي لا خلاف في مكيتها على ما شرحناه في سياقها.
وروح الآية بل ونصّها يزيل ما يمكن أن توهمه عبارة أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً من كون عدم إيمان الكفار قد كان لأن الله لم يشأه. فالعبارة من جهة أسلوبية بسبيل تسلية المؤمنين وتطمينهم وتسكين روعهم. والجملة الأخيرة من الآية من جهة أخرى قوية الدلالة على كون الكفار قد كفروا عن عمد وتصميم فاستحقوا قواصم الله بما صنعوا وبالتالي قوية الدلالة على أن كفرهم كان باختيارهم. وطبعا إن هذا لا يعني أنهم كفروا رغم مشيئة الله. فالأسلوب القرآني قد جرى على نسبة كل شيء إلى هذه المشيئة من باب كون الله تعالى هو المتصرف